حينما نعرف أنّنا على حق فما علينا إلاّ أن نثبت، وحينما نعرف أنّ خصومنا على ضلال فما علينا إلاّ أن لا نتنازل لهم قال الله تعالى: (يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)[1].
هل تعرفون ثبات أبي ذر، وميثم التمّار وحجر بن عدي؟ لقد ثبت أبو ذر0وأربك الانحراف، حتى اضطرّوا إلى نفيه للربذة، الخالية من الناس والخالية من القوت، ولكن شيئاً من ذلك لم يمنعه عن الإصراح بالحق، والصراخ في وجوه الظالمين، ولقد قال له الإمام علي (عليه السلام) ساعة توديعه وهو راحل إلى الربذة: (يا أبا ذر إنّك غضبت لله، فارجُ مَنْ غضبت له. إنّ القوم خافوك على دنياهم و خفتهم على دينك...)[2].
ولقد ثبت ميثم التمّار، ولم يعبأ أن تقطع يداه ورجلاه، ثم يقطع لسانه، فهو مشدود إلى جذع نخلة، لم ينقطع عنه نزيف الدم، كان يفضح الباطل، ويشهّر بحكم الطواغيت، ويعرّف الناس بالحق، ويلقّنهم درساً في الثبات والنضال، حتى اضطرّ خصومه لأن يقطعوا لسانه فيكفّ عن الكلام، وأنت تعرف حجر بن عدي، بطل من أبطال جبهة الإمام علي (عليه السلام)،وغيرهم كُثُر قد نالوا درجة الشهادة؛ لثباتهم على القيم والثوابت التي أسس لها النبي وآله الأطهار (عليهم السلام).
هؤلاء كيف ثبتوا؟ لقد علموا أنّ الحق معهم، والحق لا يعدله شيء، والهزيمة عن الحق ارتماء في أحضان الضلال، وجرم ليس مثله جرم، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فأولئك حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ في الدُنيا وَالآخِرَة)[3]. ولقد شرح لنا الإمام الحسين (عليه السلام) قيمة الثبات، وهو في معرض الحديث عن القائد المنتظر، فقال(عليه السلام): (...له غيبة يرتدّ فيها أقوام، ويثبت على الدين آخرون، ويقال لهم: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين؟ أما أنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله))[4]. وعَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) جُلُوساً فَقَالَ(عليه السلام) لَنَا: (إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِه كَالْخَارِطِ لِلْقَتَادِ ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): ...فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِه؟ ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ(عليه السلام): إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللَّه عَبْدٌ ولْيَتَمَسَّكْ بِدِينِه)[5].