وفق فتاوى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)
كنت وأصدقائي في محفل ديني، إحياءً لذكرى سيد الشهداء الحسين(عليه السلام)، وعند انتهائه خرجنا، وأثناء مسيرنا انزلقتْ قدم أحدنا في بركة ماء، فتطاير رذاذ الماء علينا، فمنّا من تذمر بسبب إصابته بهذا الرذاذ، وقال: تنجّستُ بهذا الماء ويجب عليّ الآن غسل ما أصابني منه، قبل أداء الصلاة.
فقلت لصديقي: على أي شيء بنيت نجاسته؟
قال: لأنه ماء متّسخ في قارعة الطريق!، فكيف لا يكون نجسا؟
فقلت له: دعني أعلّمك قاعدة تنفعك، وهي: أن كل شيء طاهر حتى تعلم بنجاسته، فعن إمامنا الصادق(عليه السلام) قال: «الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنه قذر»[1] إلاّ ما كان نجساً بطبيعته.
فقال صديقي: وما الذي يكون نجساً بطبيعته؟
فقلت له: عشرة أشياء:
الأول والثاني: بول وغائط الإنسان، وكُلُّ حيوان يحرم أكل لحمه، إذا كان لهذا الحيوان نفس سائلة، (وكذا بول ما ليست له نفس سائلة من محرم الأكل، إذا عُد ذا لحم على الأحوط لزوماً).
فقال صديقي: وما الحيوان ذو النفس السائلة؟
فقلت: هو ما اندفع الدم منه بقوّة عند ذبحه، لوجود شريان عنده، مثل الدجاج، وما ليس له نفس سائلة، إِذا خرج الدم منه عند ذبحه بفتور لعدم وجود شريان عنده، مثل السّمك.
والثالث: (مِيتة) الإنسان وكلّ حيوان ذي نفس سائلة، وإن كان حلالاً أكلُه، وكذلك أجزاؤها الحيّة المقطوعة منها.
فقال لي صديقي: وما هي الميتة؟
قلت: كلّ ما مات من دون أن يذبح على الطريقة الشرعيّة الإسلامية، أو ذبح بطريقةٍ غير شرعيّة؟
فقال صديقي: وإذا مات الإنسان فهل ينجس بدنه؟
قلت: نعم إلاّ الشهيد ومن اغتسل لإجراء الحدّ عليه أو القصاص منه.
فقال: وهل يبقى غيرهما نجساً؟
قلت: لا، بل يطهر بدن الميت المسلم عند تغسيله بالأَغسال الثلاثة.
والرابع: (المني) من الرجل، ومن ذَكَرِ كلّ حيوان ذي نفس سائلة، (وان كان هذا الحيوان مأكول اللحم على الأحوط لزوماً).
والخامس: (الدم) الخارج من جسد الإنسان، ومن كل حيوان ذي نفس سائلة.
فقال صديقي: ودم الحيوان الذي ليس له نفس سائلة؟
قلت: طاهر كدم السمك.
وأما السادس والسابع: (الكلب والخنزير) البريان بكل أجزائهما، وفضلاتهما ورطوباتهما.
فقال صديقي: والكلب والخنزير البحريان؟
قلت: طاهران، والثامن أيضاً (الخمر) ويلحق بها الفقاع على الأحوط لزوماً، والتاسع (الكافر) حياً وميتاً غير المسيحي واليهودي والمجوسي، والعاشر (عرق الإبل الجلالة)، وغيرها من الحيوان الجلّال على الأحوط لزوماً.
فقال صديقي: وما الحيوان الجلّال؟
فقلت: هو الحيوان الذي تعوَّد على أكل عذرة الإنسان.
هذه الأشياء العشرة نجسة بطبيعتها، وتنتقل النجاسة منها إلى كلّ ما لاقاها مع وجود البلل والرطوبة.
فقال صديقي: وإذا لم يوجد بلل ورطوبة بينهما؟
قلت: فلا تنتقل النجاسة، ولا تنتقل أيضاً بوجود النداوة المحضة.
فقال صديقي: هل بول أو غائط الحيوانات التي يحلّ أكلها كالبقر، والغنم، والدجاج، والطيور بأنواعها المختلفة، والعصافير، والزرازير طاهر أو نجس؟
قلت: كله طاهر.
فقال: ومخلّفات الخفّاش؟
قلت: طاهرة.
فقال: والريش من المِيتة، والوبر، والصوف، والأظافر، والقرون، والعظام، والإسنان، والمناقير، والمخالب؟
قلت: كلها طاهرة.
فقال: واللحم الذي نشتريه لنأكله، ما حكم الدم عليه؟
قلت: كل دم يبقى متخلّفاً في الذبيحة بعد ذبحها بطريقة شرعية حُكمه الطهارة.
فقال: وفضلات الجرذ والفأر؟
فقلت: نجسة، وذلك أن لها شرياناً يتدفق منه الدم عند الذبح كما قلنا، وأضيف لك شيئا يا صديقي، أن كلّ شيء كان طاهراً فيما مضى ثم تشك بنجاسته، فإنك تحكم بطهارته، وكل شيء كان نجساً فيما مضى ثم تشك بطهارته، فهو نجس، وكلُّ شيء لا تعلم حالته السابقة؛ فهو طاهر، وكل شيء تشك هل أصابته نجاسة فتنجس بها أو أخطأته فلم تصبه؛ عندئذ لا يجب عليك التدقيق لتتأكد من طهارته، بل تحكم بطهارته.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (41)
[1] الكافي، للكليني: ج3 ص1.