هذا الحديث الذي نقله الخليفة لفاطمة (عليها السلام) هو من مصاديق قولهم: (كلمة حق يراد بها باطل)، أو من الموارد التي يؤخذ فيها ببعض الكلام ويُسكَت عن البعض الآخر الذي يتضمّن البيان، ممّا يؤدّي إلى الالتباس في فهم المعنى، فنحن أيضاً لدينا روايات تحمل هذا المضمون نقلها أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) وهي في مقام الحثّ على طلب العلم فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما أورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشئ منها فقد أخذ حظّاً وافرا) ، والمراد منه: أنّ عليكم أن تقدّروا العلم حقّ قدره فهو ميراث الأنبياء، لكن هناك فرقاً بين: ما الذي تركه الأنبياء - بما هم أنبياء - للناس من ميراث، وبين: ما الذي تركه الأنبياء من أموآلهم كإرث لوارثيهم، فأحياناً ننظر إلى الأنبياء بما هم أنبياء، ففي هذه الحالة يتمّ ملاحظة الأنبياء في مقابل الأمة، وملاحظة الأمة كوارث لهذا النبي بعد رحيله، ههنا يمكننا التساؤل: ما الذي تركه النبيّ (صلى الله عليه وآله) للأمة من إرث؟ حيث يكون الجواب: إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لا يورّث أمته مالاً بل يورّثها العلم والمعرفة والدين، لكنّه عندما يُطرح شخص النبيّ بما هو محمّد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، فحينئذ يكون السؤال: ما الذي تركه لبنيه وزوجاته من الإرث؟ فهاتان مسألتان منفصلتان، فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) بما هو نبيّ لا يترك لأُمّته مالاً، وهذا صحيح، لكنّ ذلك لا يتنافى مع كونه فرداً من أفراد الأمة ومتّبعاً لأحكام الإسلام، فنبيّ الإسلام، من حيث إنّ عليه العمل بأحكام الإسلام وله حقوق أيضاً طبقاً للضوابط الإسلاميّة، فهو كسائر المسلمين، فيجب عليه - حاله حال باقي المسلمين - أن يصلّي، ويصوم، ويراعي حلال الله وحرامه، وإنّ قاعدة: (أَوْفُوا بِالعُقُودِ)[1]، مثلا تشمله أيضاً، وعليه أن يتّصف بالوفاء في المعاملة، و... إلخ، وهناك في القرآن الكريم آيات صريحة حول توريث الأنبياء (عليهم السلام) لأبنائهم، كما في قوله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ)[2]. وكما في دعاء النبيّ زكريّا (عليه السلام) أن يرزقه الله ولداً من أجل أن يرثه: (يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ)[3].
ولا يُراد من هذه الآيات أنّهم تركوا ميراثاً لأنّهم رسل وأنبياء، بل المقصود منها أنّه بما أنّهم مسَلِّمون ومنصاعون لأحكام الله تعالى فإنّهم يرثون موَرِّثيهم، ويورّثون وارثيهم، ولا أُريد من هذا الكلام إلاّ التنويه إلى هذه النقطة وهي أنّ تقطيع الكلام يبعث أحياناً على تغيير معناه الأمر الذي يؤدّي إلى عدم فهم القصد الأساسيّ منه.