نقل عن أحد الأشخاص يقال له (توبة بن صمة) أنه كان يحاسب نفسه في أكثر أوقات الليل والنهار، وفي أحد الأيام حاسب نفسه عن ما مضى من أيام عمره، وكان قد مضى من عمره ستون سنة.
فحسب أيامها فرأى أنها تصير (واحداً وعشرين ألفا وخمسمائة يوم).
فقال: الويل لي إذا لاقيت مالكا بواحد وعشرين ألفا وخمسمائة ذنب!
فعندما قال ذلك أغمي عليه، ومات في اغمائه ذلك.
وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا: يا رسول الله نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب، قال (صلى الله عليه وآله): (فليأت كل إنسان بما قدر عليه)، فجاؤوا به حتى رموه بين يديه بعضه على بعض، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (هكذا تجتمع الذنوب)[1].
فمن المعلوم أنه كان المقصود من أمره (صلى الله عليه وآله) بإحضار الحطب هو أن يلفت الأصحاب إلى هذه الحقيقة، فكما أن تلك الصحراء التي كانوا يحسبونها خالية من الحطب ولم يكن في بالهم أنهم لو فتشوا عنه وجدوه، فكذلك الذنوب، فلو فتش الإنسان وحاسب نفسه فسوف يجمع ذنوبا كثيرة، كما أن (توبة بن صمة) عند ما افترض أنه لو لم يُذنب في كل يوم من أيام عمره إلا ذنبا واحدا وهو أقل ما يمكن، فقد اجتمع عنده ذنوب كثيرة، ولذا قيل في تعريف التقوى شعرا:
خَلِّ الذُنــوب صغيرَهــا وكبيرَهــا فهُو التُقى
واصنَع كَماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تَحقِــرنَّ صغــــيرة إن الجبــــال من الحصى.