بالرغم من كل الأذى الذي مسّ النبي (صلى الله عليه وآله) بسبب كيد الباغين قديما، فإنه تفضل عليهم بكرمه وسماحته قائلا لهم: (إذهبوا فأنتم الطلقاء..)[1]. فكان رد هؤلاء على هذا الجود النبوي أن جاء يوم وقفت فيه زينب بنت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله) سبيّة في مجلس يزيد بن معاوية، منتهَكةَ الحرمة مألومة المتن من أثَر السياط، مخاطبة له: (أمِن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك، وسوقك بنات رسول الله سبايا، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، تحدوا بهن الأعداء من بلد إلى بلد، وتستشرفهن[2] المناقل ويتبرزن لأهل المناهل[3]، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد، والغائب والشهيد، والشريف والوضيع، والدني والرفيع، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي، عتوّا[4] منك على الله وجحودا لرسول الله، ودفعا لما جاء به من عند الله..)[5]. هذا وجسد الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرمي على رمضاء كربلاء دون كفن ولا دفن.
لقد أبكى الظالمون عين رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل أوان مقتل الحسين (عليه السلام) بسنين عديدة، وذلك حينما هبط عليه جبرائيل (عليه السلام) يخبره بمصرع الحسين (عليه السلام) وهو بعدُ صغير يحتضنه صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) رأفة ومحبة وحنانا، فما ظنّنا بعين رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي تنظر إلى صدر الحسين (عليه السلام) تدوسه حوافر الخيل، وترقب رأسه المقطوع يُشال على أطراف الرماح، ومن خلفه حرائر بيت النبوة يسوقهن أهل البغي بالسياط، ينتقلون بهن من بلد إلى بلد، كما يساق أسرى أهل الكفر والإلحاد.
واليوم.. يتتبع نسل الطلقاء وأبناء الطلقاء أتباع أهل بيت محمد (عليهم السلام) قتلا وتشريدا وتكذيبا وإهانة - كما كان آباؤهم يفعلون بأولياء الله وحججه- يطعنون عليهم أن أحبّوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأطاعوه في وصيته لأهل بيته (عليهم السلام)، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
نعم، لا بد أن يأتي اليوم الذي يأخذ الله تعالى فيه الثأر لنبيه الكريم، ويشفي صدره من الكافرين على ما فعلوه به في حياته وبعد وفاته، وهل من أحد أولى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يثأر له الله سبحانه بعد كل الألم الذي مسّه؟ وهو القائل عَزّ مِن قائل: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[6].