موقع تايلاند
مملكة تايلاند قلب الجنوب الشرقي لآسيا، وهي ذات وزن كبير على مستوى القارة سياسيا واقتصاديا، تحدها من الشرق كل
من لاوس وكمبوديا، وخليج تايلاند وماليزيا من الجنوب، وبحر أندمان وميانمار من الغرب، تعرف تايلاند باسم «سيام» أيضا، وقد كان هذا اسم البلاد الرسمي حتى تاريخ 11 مايو 1949 م. تعني كلمة «تاي» الحرّ في اللغة التايلندية، و»لاند» الأرض فهي أرض الأحرار، وتستعمل بعض الأقليات المتواجدة في البلاد كلمة سياميون عند الإشارة إلى سكان البلاد، وهي بلد زراعي بالدرجة الأولى، ولكن للصناعة في هذا البلد مستقبل زاهر، نظراً لكثرة المواد الأولية والمحاصيل الزراعية، وتشكل السياحة بالإضافة إلى ذلك نسبة كبيرة في دخل البلاد، ومن أهم المدن في تايلاند: العاصمة بانكوك وناكون، وراتشاسيما، وساوان.
يعتنق حوالي 84 % من السكان الديانة البوذية، على مذهب تيرافادا، وهم من المتمسكين بعقائدهم، ويمثل مسلمو تايلاند حوالي 5% من السكان، وترجع أصولهم إلى المسلمين الأوائل من التجار العرب والهنود والفرس الذين قدِموا إليها منذ القرن الثاني عشر ميلادي، ويظهر تأثير المسلمين في المجتمع السيامي واضحاً في الفنون والآداب والزي، وتوجد في اللغة التايلاندية
كلمات من أصل عربي وفارسي.
ينقسم مسلمو تايلاند إلى قوميات ذات أصول ملاوية يعيشون في جنوب تايلاند ولهم تاريخ منفصل عن تاريخ تايلند، وكانت الأقاليم الأربعة الجنوبية تشكّل مملكة فطاني، وهؤلاء المسلمون من عرق الملايو، ويتكلمون البهاسا، ويكتبونها بالأبجدية العربية.
وبين قوميات ذات أصول بورمية وصينية يعيشون في المنطقة الشمالية، بينما يعيش من هم من أصول عربية وهندية أو باكستانية وإيرانية في الوسط.
كيف دخل الإسلام إلى تايلاند؟
اتخذ الإسلام في طريق وصوله إلى هذه المنطقة محورين، محور جنوبي قَدِم إلى المنطقة عن طريق التجار العرب، فقد أسس العرب الموانيء على سواحل قطاني في القرن الهجري، واتسع انتشار الإسلام بعد ذلك، وزاد في القسم الجنوبي بتايلاند حتى صارت بأيدي المسلمين، وزاد قدوم العرب واندماجهم بالسكان حتى تأسست دولة إس المية مستقلة وارتبطت بعلاقات خارجية مع العديد من الدول، وحاول التايلانديون احتلال قطاني في سنة 917 هـ وفي سنة 1200 هـ، وواجه المسلمون هذه
المحاولات بمقاومة عنيفة، ونقل التايلانديون العديد من المسلمين إلى العاصمة بانكوك، غير أن هذا جاء بمزيد من المسلمين الذين دخلوا الإس الم، وأخيراً اندمجت قطاني في مملكة تايلاند في سنة 1327 هـ.
والمحور الثاني الذي قدم الإس الم عن طريقه إلى تايلاند (محور بري) جاء من جنوب الصين من منطقة يوونان حيث انتشر الإسلام في منطقة عريضة، وسيطر على مساحات واسعة، وأطلق الصينيون على المسلمين (الهوى) ونشط قدوم الإسلام عن طريق هذا المحور لا سيما في عهد الإمبراطور (قبلاي خان)، وتقدم مع توغلهم في شمالي تايلاند، وتمركز في بقاع شتى من وسط وشمال تايلاند.
الشيعة في تايلاند
يبلغ عدد الشيعة في تايلاند حوالي 10000 نسمة يعيش أغلبهم في بانكوك وفي الجنوب، ويرجع أصل الشيعة إلى نسل الشيخ أحمد القمي الذي قدم إلى تايلاند عام 1601 م بقصد التجارة، وفي ذلك الوقت كانت تمر تايلاند أو دولة سام بقحط شديد
فقام بمساعدة ملك تايلاند وقدّم له أموالا مما أدى إلى ترسيخ علاقته به وعلى هذا الأساس عينه الملك كأول وزير إسلامي عن المذهب الشيعي، وقد تزوّج ملك تايلاند بإحدى حفيداته في ذلك الزمان، فازداد نفوذ الشيخ أحمد في تلك البلاد، مما أدى إلى انتشار مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وينقل أن الإسلام (والتشيع تحديداً) دخلها على يد البحارة الشيعة العمانيين الذين كانوا يتخذون من موانئها محطات استراحة قبيل انطلاقهم إلى الصين، حيث كانت أخلاقهم في التعامل مع أهل البلاد مغناطيس جذب نحو التعرف على معتقداتهم وكانت فرصة للتبليغ لمذهب الشيعة الإمامية مما أدى إلى اعتناق الكثير من أهل البلاد للدين الإسلامي على هذا المذهب.
وكما هي العادة في إندونيسيا كذلك في تايلاند بالنسبة لشهري محرم وصفر حيث تقام فيهما شعائر الحزن والبكاء ومجالس العزاء الحسينية والتي تتم تغطيتها بفاعلية من قبل أجهزة الإع الم التايلاندية الرسمية: حيث يقوم الشيعة والسنة معا بتغطية المنازل بالألوان السوداء، وكذلك عمل تشييع رمزي لنعش الإمام الحسين عليه أفضل الصلاة والتسليم ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
مدرسة (دار العلم) في بانكوك
وأدى ابتعاد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) عن المراكز الدينية إلى جهل كثير منهم بالأحكام الشرعية، وكان حل مشكلتهم كامناً في إنشاء مدرسة علمية في بلادهم كي ينال شبابهم فرصة التزود بالمعلومات الأساسية للتبليغ، فكان ذلك القرار من سماحة السيد الخوئي (قده)، وهي الآن مركز يبث علوم أهل البيت (عليهم السلام) في تايلاند، كما تم إنشاء فرع لهذه المدرسة للنساء، يتعلمن فيه الدين الأصيل باسم مركز (دار الزهراء) في بتالونج جنوب تايلاند، وجميع هذه المراكز تابعة لمؤسسة الإمام الخوئي (قدس سره)، وفي تاريخ 7/ 4/ 2010 تم تأسيس مركز «الإمام الصادق (عليه السلام)» لعلوم الشيعة في تايلند.
مسجد تن سن في تايلاند
وهو من المساجد القديمة جداً في تايلاند وترجع توليته إلى أحد أفراد سلالة الشيخ أحمد القمي الذي قَدِم إلى تايلاند، والبناء الحالي للمسجد يرجع تاريخه إلى أكثر من سبعين عاماً ويتوارث توليته أفراد السلالة الكريمة للشيخ أحمد القمي.
هذا وقد زار وفد العتبة العلوية هذا المسجد والتقى بإمام المسجد وقام الوفد بتقديم بعض الهدايا العينية للتبرك من عتبة أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أهدى الوفد لإمام المسجد قطعة خشب أثرية ونادرة من خشب قبة أمير المؤمنين يرجع تاريخها إلى ما قبل أكثر من (200) سنة.
والتقى الوفد أيضاً بالمهندس الذي أشرف على بناء هذا المسجد وهو المهندس عباس من الإخوة المسلمين الشيعة من أهالي تايلاند. إمام المسجد رجل سني معتدل وعلاقته بالحكومة جيدة جداً، لأن كثيراً من أفراد الحكومة هم من نفس سلالة الشيخ أحمد القمي علماً أن الملك لحد الآن يرتبط بهذه السلالة وهذا الشخص الممثل لهم، ويصلي في هذا المسجد السنة والشيعة، ويقام في هذا المسجد مراسيم إحياء شعائر الله في عاشوراء، فتقام فيه المجالس والتعريف بالحسين (عليه السلام).
وتوجد في المسجد قطعة أثرية وكانت جزء من بوابة البناء القديم لهذا المسجد حيث حصلت لها كرامة كما نقل الوفد الذي زار
المسجد عن القائمين عليه، إذ قام البعض بحرقها ولكنها لم تحترق، وهي الآن معروضة في المدرسة التابعة للمسجد وعليها آثار الحرق.
كما وتوجد بالقرب من المسجد مدرسة ترجع إدارتها إلى المسجد وهي لها نشاط واسع حيث تهتم بأربعمائة إلى خمسمائة شخص، وتوجد فيها بعض التحف الأثرية النادرة منها لوحة خشبية بالخط العثماني ترجع للعصر العثماني وعمرها بحدود الثلاثمائة سنة.
وكان المسجد في السابق مبنيا من الخشب ويحضر الملك فيه في بعض المراسيم، وتوجد في الحديقة الخلفية للمسجد مقبرة يدفن فيها المسلمون من الشيعة والسنة، ويوجد فيها قبر الشيخ أحمد القمي.
المصدر: بيوت المتقين (13) - شهر شوال 1435هـ