يجب على المؤمن أن يعي بأن شدة الفتن في آخر الزمان مؤشّر واضح على قرب ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، بل جاءت روايات تدعو المؤمنين أن لا يكرهوا فتن آخر الزمان، بل عليهم أن يتمنّوها؛ لأنها السبيل للخلاص من المنافقين والجبابرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تكرهوا الفتنة في آخر الزمان، فإنها تبير المنافقين»[1]، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «تمنّوا الفتنة، ففيها هلاك الجبابرة، وطهارة الأرض من الفسقة»[2].
ومع أن الفتن هي علامة من علامات الظهور، إلا أن المؤمن ينبغي أن يعرف الطرق التي تخلّصه من شرور الفتن؛ ليحظى بالنجاة والتوفيق لنصرة الإمام المنتظر (عليه السلام)، ومن خلال الروايات الشريفة يتضح بأن السبيل للخلاص من أهوال الفتن، تكمن في القيام بالأعمال التالية:
أولاً: عدم الاقتراب من لهب الفتن:
وهذا ما يستفاد من حديث الإمام علي (عليه السلام) حيث قال: «لا تقتحموا من فور الفتنة، وأميطوا عن سننها، وخلّوا قصد السبيل لها»[3]، ولكيلا يُستخدَم الفرد مطية لتأجيج الصراع، فعليه أن يجسّد ما قاله الإمام (عليه السلام): «كن في الفتنة كابن لبون، لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب»[4].
وبالابتعاد عن الفتن ينل واحة الأمان، ولعل العلة من الدعوة إلى التحلّي بالصمت وملازمة البيت، الواردة في بعض النصوص، لئلا يقع الإنسان فريسة للهبات الفتن، والاحتفاظ بالنفس في عصر ما قبل الظهور موصى به، لنصرة الإمام المهدي (عليه السلام)
ثانياً: التمسك بالقرآن وأهل البيت (عليهم السلام):
حيث جاء عن أبي عبد الله عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فإذا التبست عليكم الفتن، كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار...»[5].
وأما ما جاء في التمسك بأهل البيت (صلى الله عليه وآله)، كسبيل للخلاص من الفتن، فهذا ما ذكره حديث الثقلين المشهور، فعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي- أحدهما أعظم من الآخر- كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»[6]. وأكد عليه سلمان المحمدي بقوله: «وإذا رأيتم الفتن نحوكم كقطع الليل المظلم، فعليكم بأهل بيت محمد، فإنهم القادة وإليهم المقادة»[7].
وهذا يعني وجوب معرفة العقائد والأحكام الصحيحة لهذه المدرسة، لئلا يقع الإنسان فريسة التيارات الخبيثة، التي تريد النيل من هذه الثقافة الأصيلة، عبر إشاعة الشبهات العقائدية والشرعية، ولعلها الحرب القادمة كما يقول بعض الأعلام، فعلى العاقل أن يتزود من معين مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، عبر الاطلاع المكثف فيما يرتبط بالفقه والعقيدة.
ثالثاً: الاتصاف بالمناقب السامية الجامعة:
في الشريعة الإسلامية خصال سامية جامعة، تنجب بدورها سلوكيات حسنة، تحمي الفرد من السقوط في مستنقع الفتن، وعلى رأس تلك الصفات العليا:
أ ـ التحلي بسمة الإخلاص: فقد جاء عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله: «طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء»[8].
ب ـ التحلي بسمة التقوى: حيث جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «اعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً من الفتن، ونوراً من الظلم»[9].
ج ـ المداومة على الدعاء: لاشك أن للدعاء أثراً كبيراً في تحصيل الأهداف الصعبة، ومن جملتها النجاة من شرور الفتن، والأدعية الواردة في تأثيرها البالغ للخلاص من الشدائد كثيرة، ولكن في خصوص الفتن والشبهات، فقد جاء النص يبين أثر دعاء الغريق للانفكاك منها، فعن عبد الله ابن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت: وكيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.»[10]. ولكي نسلم من الضلال علينا بهذا الدعاء الذي يرويه زرارة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف ومنهم من يقول: حمل ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، [قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شيء اعمل؟ قال: يا زرارة] إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء - اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني»[11].
نسأل الله عز وجل أن يقينا من شرور الفتن، ويبصرنا أمور ديننا، ويهدينا سواء السبيل، إنه ولي التوفيق والسداد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (59) ـ الصفحة: 20 - 21.
[1] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 211 - 218.
[2] كتاب الغيبة - محمد بن إبراهيم النعماني - ص 211 - 218.
[3] نهج البلاغة - خطب الإمام علي - ج 2 - ص 126 - 127.
[4] ميزان الحكمة - محمدي الريشهري ج 3 ص 2367.
[5] الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 598 - 599.
[6] سنن الترمذي - الترمذي - ج 5 - ص 328 - 329.
[7] مناقب الإمام أمير المؤمنين - محمد بن سليمان الكوفي - ج 1 - ص 414.
[8] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2366.
[9] ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - ص 2366.
[10] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 52 - ص 148 - 149.
[11] الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 337.