مسجد دربند:
مدينة (دربند) إحدى مدى جمهورية (داغستان) والتي تعد واحدة من جمهوريات الكيان الفيدرالي الروسي، وموقعها جنوب (روسيا).
ومدينة (دربند) تقع على الساحل الغربي لبحر (قزوين) بالقرب من مصب نهر سامور في البحر، حيث المسافة بين البحر وجبال (القوقاز) لا تتجاوز (3) كيلومترات، وهي ثاني أكبر مدن الجمهورية بعد العاصمة (محج قلعة) وتبعد عنها 121 كم وعن العاصمة الروسية (موسكو) 2212كم.
تاريخ المدينة:
يعود تاريخ المدينة إلى الألف الرابع قبل الميلاد، أي أن عمرها يزيد على 6000 سنة، وتعتبر المدينة أقدم مدن روسيا الاتحادية، ومن مدن العالم القديمة.
ولما كانت المدينة قد شيدت في الممر الفاصل بين بحر قزوين وسلسلة جبال القوقاز، لذلك حاولت كافة الدول التي حكمت في المنطقة السيطرة عليها، فاليونانيون أطلقوا على هذه المدينة التي تعد ممراً اسم (الممر الألباني) والروم (بوابة الخزر) أما المسلمون فسموها (باب الأبواب)، ولا يوجد أي مكان آخر على طول سلسلة جبال القوقاز قريب من البحر كموقع المدينة الفريد، لهذا فإن اسم المدينة مشتق من كلمتين فارسيتين (در) وتعني بوابة و (بند) وتعني القفل أو العقدة، ووصف اليكسندر ديوما في كتابه (رحلة في القوقاز) سور المدينة بأنه حقاً جدار ضخم يفصل بين أوروبا وآسيا ويصد هجمات الاسكوثيين الخطرة.
وفي عام (654) م والموافق لـ(20) هجرية تح المسلمون المدينة، ولكن لم يستتب الأمر فيها بل بقي صراعهم فيها مع الخزر للسيطرة على المدينة حتى عام (735) م حيث انتصروا نهائياً، وتحولت المدينة إلى مركز عسكري وإداري للخلافة الإسلامية في داغستان إضافة إلى كونها مركزاً تجارياً ضخماً ومرفأ ومركزاً أساسياً لنشر الدعوة الإسلامية في المنطقة.
وكانت للمدينة علاقات تجارية مع كثير من مناطق الشرقين الأوسط والأدنى وشرق أوروبا، وبعد سقوط الخلافة العربية أصبحت المدينة (إمارة دربند) وحكمتها سلالة هاشم العربية.
أسست المدينة بشكلها الحالي عام 438 في عهد السلالة الساسانية حيث حولها الشاه (كوادا) وابنه (كسرى الأول) إلى قلعة حجرية تغلق الممر بين البحر والسلسلة الجبلية بجدار طوله 40 كم، ويمكن تسمية السور بـ(سور القوقاز العظيم) الذي ما زالت أجزاء كبيرة منه قائمة إلى يومنا هذا.
من معالم المدينة:
هناك رواية يتداولها السكان بأن 40 داعياً للإسلام وصلوا إلى هناك، ولكنهم لقوا رفضاً من السكان المحليين الذين قتلوهم وتركوا جثثهم في العراء تحت رحمة الحيوانات والطيور، وبعد مرور أيام بقيت الجثث دون أن يمسها سوء، ولكن انتشرت في المدينة أوبئة، ونصح منجم السكان باعتناق الإسلام ودفن الجثث بما يليق، واعتبار القتلى شهداء في سبيل الله، وتحظى هذه القبور حتى الوقت الحاضر بعناية فائقة.
مسجد دربند:
يعتبر مسجد الجمعة في مدينة دربند أحد أقسم مساجد العالم، وبالرغم من وجود مسجد في كل حي في المدينة، إلا أن الناس يعتبرون هذا المسجد هو الأهم، إذ يفتخر سكان المدينة بأن مسجدهم هو أول مسجد في روسيا ومنه بدأ انتشار الإسلام والتشيع في القوقاز وعموم روسيا، وحسب المؤرخ المحلي (شعبان محرموف): إن الاسلام انتشر في (روسيا) المعاصرة من مدينة (باب الأبواب).
بني هذا المسجد في القرن الثاني الهجري، وبالتحديد سنة (133) هجرية، أي في منتصف القرن الثامن الميلادي، وهناك رأي يذهب إليه المؤرخ (محرموف) وهو أن المسجد جرى بناؤه بين عامي (733)م – (734)م أي قبل ذلك بعشرين سنة، وعلى كل حال فبناؤه كان مطلع القرن الثاني الهجري، وفي وقت لاحق في الفترة بين عامي 1474م-1475م شيدت مدرسة دينية ضمن المسجد، وطوال هذه الفترة جرت إعادة بنائه وتحويره مرات، وتعرض أكثر من مرة إلى دمار جزئي نتيجة الهزات الأرضية، ولم يكتسب المجمع شكله النهائي إلا في عام 1815م، وكان وقتئذ أكبر وأجمل مبنى في المدينة ويضم المجمع المعماري للمسجد مبنى المسجد نفسه، ومدرسة دينية، ومقر عمل الأئمة، وقد تم مؤخراً إدراج المسجد ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
وصف معمارية المسجد:
مسجد دربند بني على شكل مستطيل مع بروز في واجهته الجنوبية، ويقسم المسجد من الداخل بقاطع من الخشب منقوش عليه روايات أهل البيت عليهم السلام، وإلى قسمين: قسم النساء وقسم الرجال، الأول مستطيل يمتد من الشرق نحو الغرب ، وآخر مربع عليه القبة في الجانب الشمالي للمسجد، وله أربعة مداخل أحدها رئيسي يقع على المحور العرضي للمبنى، وكتب على باب المسجد آيات من القرآن الكريم عن فضل المساجد وعمارتها، وكذلك أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت عليهم السلام، منها قول النبي (صلى الله عليه وآله): (أنا مدينة العلم وعلي بابها).
ويبلغ طول المبنى من الداخل 67 متراً وعرضه 17 متراً وعرض الصحن الوسطي 6.3 متر والجانبية 4 متر، ويبلغ قطر القبة 9.3 متر تستند على 8 دعائم، وكان هذا المكان موقع لكنيسة قديمة.
يقع المسجد في القسم القديم من المدينة ويسمى (محل)، إذ تنقسم مدينة دربند إلى قسمين ويفصل بينهما جدار، وأغلب سكان هذا القسم إثنا عشرية.
أهمية المسجد ثقافياً:
وهذا المسجد هو المسجد الجامع في المدينة والذي تقام فيه صلاة الجمعة ويجتمع فيه أكثر الناس في المدينة، وتقام فيه مجالس وفايات وولادات الأئمة عليهم السلام وبالخصوص المجالس الحسينية، ويجاب فيه عن الأسئلة الشرعية.
وتصدر من هذا المسجد صحيفة بعنوان (المسجد الجامع) وهي باللغة الروسية وتهتم بأخبار المسجد وبما يحصل في روسيا والعالم، وفي المسجد مكتبة عامة يرتادها الناس لمطالعة الكتب الدينية.
ولكون المسجد أثرياً، فيتم عن طريق ذلك تعريف الزوار به وبالدين الإسلامي وبمذهب أهل البيت (عليهم السلام).
نشاطات المسجد:
يتم فيه تنظيم الزيارات إلى المشاهد المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة ومشهد الإمام الرضا عليه السلام وغيرها، ويمارس في المسجد دوراً اجتماعياً في حل المشاكل الأسرية وفض الخصومات.
معالم المسجد وما فيه من النوادر:
ويوجد في المسجد حجر قديم كتب عليه سنة بنائه أي 133 هـ وأيضاً يوجد فيه نسخ مخطوطة قديمة من القرآن الكريم، وبعض الكتب القديمة المخطوطة ككتب الشيخ فاضل الدربندي الذي كان مجتهداً ومرجعاً في زمانه.
المصدر: بيوت المتقين (7) - شهر ربيع الثاني 1435هـ