طلب الدعاء من الميت

يحاول البعض ممن حَرَم نفسه من ولاية أهل البيت (عليهم السلام) أن يعلّل ويبرّر ما هو عليه من الضلال، وذلك بنسبة العقائد الباطلة لأتباعهم (عليهم السلام)، مستغلاً في ذلك كلّ قواه الإعلامية والفكرية ليثير الشبهات حول مذهب الحق، حتى يصرف الناس عن الدين الحق ونشر الأباطيل.

من تلك الأباطيل القول بأن طلب الدعاء من الميت ضربٌ من الشرك بالله.

وسيتّضح عند بيان الأمر أن القائل بذلك يعيش حالة غفلة علمية مستحكمة.

أولاً: هذه الشبهة مبنية على أن طلب الدعاء من الغير عبادة، فيتحقق حينئذٍ الشرك بنسبتها لغير الله عز وجل، وهي ليست كذلك، إذ لو كان طلب الدعاء من الميت عبادة له، فسيكون طلب الدعاء من الحي عبادة أيضاً، لأنا فرضناه عبادة بنفسه بغض النظر عن خصوصية الميت أو الحي، وعليه إمّا أن نقول أنّ الحالتين من الشرك المحرّم، أو هما ليستا من الشرك، أمّا التفريق بينهما بأن نقبل إحداهما وننفي الأُخرى أمرٌ باطل لا يقوم على الدليل والبرهان.

وقد وردت أحاديث عند المسلمين في طلب الدعاء من النبي(صلى الله عليه وآله) مثل حديث الأعمى عن خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ (أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرًا أَتَى النَّبِيَّ(صلى الله عليه وآله) فَقَالَ يَا نَبِيَّ الله ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتُ ذَلِكَ، فَهُوَ أَفْضَلُ لِآخِرَتِكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، قَالَ: لَا بَلْ ادْعُ الله لِي، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: (اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ، فَتَقْضِي وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ، وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ) قَالَ: فَكَانَ يَقُولُ هَذَا مِرَارًا، ثُمَّ قَالَ بَعْدُ: أَحْسِبُ أَنَّ فِيهَا أَنْ تُشَفِّعَنِي فِيهِ، قَالَ: فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَبَرَأَ)[1].

والدليل على دعاء النبي له أنه (صلى الله عليه وآله) علّمه أن يقول في دعائه (اللهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إلى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي وَتُشَفِّعُنِي فِيهِ وَتُشَفِّعُهُ فِيَّ) ومعنى: (اللهم شفّعه في) أي: استجب دعاءه لي.

ثانياً: على البناء نفسه نقول ليس كلّ خضوع أو دعاء عبادة، بل العبادة ما اقترن باعتقاد أن المدعو إلهٌ أو له صفات الإله.

وأمّا الخضوع المجرّد عن هذا الاعتقاد فليس بشرك، كما لو اقترن الدعاء باعتقاد أنّ المدعوَّ إنسانٌ ذو مقام ومنزلة عند الله تعالى، فينطلق الداعي ليتوسّل به ويطلب منه الدعاء له عند ربّه، فلا يُعدّ ذلك مخالفاً للتوحيد، قال عز وجل في محكم كتابه: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا)[2].

مجلة ولاء الشباب العدد (29)

 


[1] المستدرك على الصحيحين، للحاكم النيسابوري: ج4، ص458.

[2] النساء: 64.