الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
تمتاز الحروب العسكرية عن الحروب الفكرية بطبيعتها والأدوات المستخدمة فيها، فالحروب العسكرية هي حروبٌ تنشأ من صراع على مصالح جغرافية أَو اقتصادية أَو سياسية أَو غير ذلك، وعند استعار أَوَجها واضطرام نيرانها فإِنها تَأْتي على كُلِّ شيءٍ، فتهلك الحرث والنسل، وتتغير معالم السياسات والحكومات، بل تتغير حتى المعالم الجغرافية للمدن والبلدان في بعض الاحيان، وهذه الحروب يعرفها الكل، ولا تخفى على أحد.
لكن هناك حُروب من نوع آخر، لا يكاد يعرفها عامة الناس، وهي حروبٌ خفية وصامتة وهادئة، أو ما تسمى بحسب اصطلاح اليوم بـ(الحرب الناعمة)، لأَنها حروبٌ لا تنصبُ مدفعاً، ولا ترفع سلاحاً، بل ترفع الفكرة والقلم، ومن أَهم تلك الحروب هي الحرب الفكرية والعقدية، والتي استعرت أَوارها، وانقدحت شرارتها في مجتمعنا اليوم بعد الانفتاح العالمي على الشعوب والثقافات، وسهولة التواصل مع الكل بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، فأَصبحَ بعضُ شبابِنا جنودَ تلك الحروبِ وقادتِها بلا شعور مُنهم بالمُهمّةِ التي يَقومون بِها والأَهداف التي يحققونها لغيرِهم، وأَصبحوا أَداةً لنشر مادة الفكر المتطرف أَو التشكيك بالمذهب أَو الإِلحاد ربما، من دون علمٍ لهم بذلك!
وهذا إِن دلَّ على شيءٍ فإِنّما يدلُّ على مدى تغلُلِ تلك الحرب في الأَوساط الاجتماعية، وكذلك يدلُّ على مستوى الضعف العقائدي لدى أَكثرِ جيلِنا اليوم، حتّى أَنّهُ يُخترقَ بأَبسط الوسائل الفكريةِ والعقدية، ويسقط سريعاً في أُتون تلك الحرب قتيلاً أَو مشوهاً على أَقل تقدير!
مما يقتضي ذلك أَن يتيقظ أَولادُنا الأَعزاءُ وعمومُ المؤمنين أيدهم اللهُ تعالى للهَجَمات الفِكريةِ والعَقَديةِ الشَّرسة التي يَتعرّض لها دِينُنا ومَذهبُنا، وأَن يَتدرعوا بالإِيمانِ والعَمَلِ الصالحِ، واللهُ تَعالى وَليُّ المؤمنين.
مجلة اليقين العدد (26)