الصدق في الإسلام

الصدق لغةً:

الصدق ضدُّ الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقاً وصِدْقاً وتَصْداقاً، وصَدَّقه: قَبِل قولَه، وصدَقَه الحديث: أَنبأَه بالصِّدْق، ويقال: صَدَقْتُ القوم، أي: قلت لهم صِدْقاً وتصادقاً في الحديث وفي المودّة[1].

الصدق اصطلاحاً:

قال الراغب الأصفهاني: «الصدق مطابقة القول الضمير والمخبَر عنه معاً، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقاً تامّاً»[2].

 الترغيب في الصدق بالقرآن الكريم:

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[3]. وقوله تعالى: (قَالَ الله هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[4].

الترغيب في الصدق بالسنّة الشريفة:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أربع مَن كنَّ فيه وكان من قرنه إلى قدمه ذنوباً بدّلها الله حسنات: الصدق، والحياء، وحسن الخلق، والشكر»[5].

وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة»[6].

مراتب الصدق:

للصدق مراتب كثيرة ومتنوعة، نذكر بعضاً منها:

1ـ الصدق في اللسان:

وهذه المرتبة من الصدق هي التي يحرص كثير من الناس الصدق فيها، ولا يتجاوزونها إلى غيرها، ولا شك أنّها مرتبة عظيمة وتكميلها من أعزّ الأمور وأشقّها على النفس، ولكنّها يسيرة على مَن يسّرها الله عليه، وجاهد نفسه في تحقيقها.

فلا ينقل المسلم إلّا الأخبار الصادقة، وهذا بدوره يتطلب من الناقل التثبت فيما يقال، واجتناب الظنون والأوهام والحذر من التحدّث بكلّ ما يُسْمَعُ. قال (صلى الله عليه وآله): «إيّاكم والظن فإنّ الظنّ أكذب الحديث»[7]، وقال (صلى الله عليه وآله): «كفى بالمرء إثماً أن يُحدّث بكلّ ما سمع»[8].

2ـ الصدق في النية والإرادة:

يرجع ذلك إلى الإخلاص وهو ألّا يكون له باعث في الحركات والسكنات إلّا الله تعالى، فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل صدق النية وصاحبه يجوز أن يُسمّى كاذباً. وذلك بأن تكون النية خالصة لله (عزّ وجلّ) ابتغاءً لمرضاته، وأن لا يكون هناك باعث في الحركات والسكنات إلّا مرضاة الله (عزّ وجلّ).

3ـ الصدق في الوفاء بالعزم:

فإنّ النفس قد تسخو بالعزم في الحال؛ إذ لا مشقة في الوعد والعزم والمؤونة فيه خفيفة، فإذا حصل التمكّن وهاجت الشهوات انحلّت العزيمة وغلبت الشهوات ولم يتفق الوفاء بالعزم، وهذا يضادّ الصدق فيه؛ ولذلك قال الله تعالى: (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ)[9].

3ـ الصدق والنصح في المعاملات:

إنّ الله سبحانه وتعالى أوجب على المسلمين الصدق والنصح في جميع المعاملات، وحرّم عليهم الكذب، وما ذاك إلّا لما في الصدق من صلاح أمر المجتمع والتعاون السليم بين أفراده والسلامة من ظلم بعضهم لبعض وعدوان بعضهم على بعض، ولما في الكذب من فساد أمر المجتمع وظلم بعضه لبعض وأخذ الأموال بغير حقّها وإيجاد الشحناء والتباغض بين الجميع، ولهذا صح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذّبا محقت بركة بيعهما»[10].

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلّها تدل على وجوب النصح والبيان والصدق في المعاملات وعلى تحريم الكذب، كما تدل على أنّ الصدق والنصح من أسباب البركة في المعاملة.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (60)

 


[1] ينظر: لسان العرب، ابن منظور:ج10، ص193.

[2] الذريعة إلى مكارم الشريعة، الراغب الأصفهاني: ص270.

[3] التوبة: آية 119.

[4] المائدة: آية 119.

[5] الكافي، الكليني: ج2، ص107.

[6] المصدر السابق: ص107.

[7] المحجة البيضاء، الفيض الكاشاني: ج3، 325.

[8]ميزان الحكمة، الريشهري: ج3، ص2676.

[9] الأحزاب: آية23.

[10] مستدرك الوسائل، حسين النوري، ج13، ص298.