تعتبر الطريقة البكتاشية من الطرق الصوفية التي يدّعي أصحابها الانتساب إلى السلالة العلوية الطاهرة، فهي طريقة صوفية في حقيقتها وفي هواها شيعية،ولكنها مع ذلك تربّت وترعرعت في أوساط العامة في تركيا ومصر،وتنسب هذه الطريقة إلى خنكار الحاج محمد بكتاشي الخراساني النيسابوري، المولود في نيسابور سنة 646هـ - 1248م، وينسب خنكار هذا نفسه إلى أنّه من أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
بداية انتشار البكتاشية
سافر خنكار لنشر طريقته الصوفية إلى النجف أولاً في العراق، ثم حج البيت وزار وسافر بعد ذلك إلى تركيا، وكان هذا في زمان السلطان أورخان العثماني المتوفى سنة 761 هـ، بعدها نزل في قرية (صوليجية فترة أويوك) والتي هي -قسمت بعد ذلك-في ناحية الحاج بكتاش، وما زالت تحمل هذا الاسم إلى اليوم، وقداستضافه هناك رجل يسمى الشيخ إدريس وزوجته (فاطمة قوتلوملك)، وأنّهما أنفقا أموالهما في سبيل نشر دعوة الشيخ خنكار الخراساني، ولكن جاء وفد من خراسان لزيارة الشيخ خنكار فلم تجد المرأة ما تضيفهم به،واضطرت إلى بيع ثيابها واشترت بثمنها طعاماً لضيوف الشيخ خنكار، فعلم الشيخ خنكار بهذا من الغيب (بحسب دعواهم)، فمد يده فأخرج صرة ملابس لها، ثم مد يده أيضاً تحت البساط الذي يجلس عليه فأخرج كيسين من الذهب وأعطاهما للمرأة التي جاءت، ورحبت بضيوفه، وآمنت بكراماته.
وكانت هذه القصة هي البداية لنشر الطريقة البكتاشية، وكذلك مجيء هذا الوفد الخراساني الذي راح يروج للشيخ خنكار الذي كان قد مهد الطريق للدعوة.
البكتاشية والسلطة العثمانية
ولمّا ذاع صيت الشيخ خنكار بكتاش ووصل الأمر إلى السلطان أورخان العثماني (المتوفي سنة 761 هـ)، عمد هذا السلطان إلى الشيخ خنكار ليعلم أولاد الأسرى من أهل الذمة وممّن لا أب لهم، وينشئهم على طريقة الدارسين البكتاشية.
وكانت هذه الفرصة الذهبية لانتشار الطريقة، وذلك أنّ هذا الجيش الذي عرف بعد ذلك بالجيش الإنكشاري، أي: الجيش الجديد، وهو الذي كان عماد الحروب التركية بعد ذلك، ثم كان هو الجيش المتسلط على كافة مرافق الحياة في تركيا، وهكذا استطاعت الطريقة البكتاشية أن تنتشر، وأقيمت المقامات على قبور من مات من مشايخها، وبعض هذه القبور غُطّيت بالذهب الخالص، وتنافس السلاطين العثمانيين في بناء التكايا والزوايا والقبور البكتاشية.
مرّ على الطريقة البكتاشية أيّام مدٍّ وجزرٍ في تركيا، فبينما ناصرها بعض السلاطين، عارضها البعض الآخر، مفضلين طريقة أخرى غيرها، فقد أمر السلطان محمود الثاني بإلغاءالإنكشارية بعد أن عاثت في الأرض فساداً، وأغلق كذلك الزوايا البكتاشية، ولكن السلطان عبد المجيد (المتوفى سنة 1255 هـ) عاد وأمر بفتح الزوايا البكتاشية مرة أخرى.
وفي سنة 1925 م صدر مرسوم الحكومة التركية بإلغاء جميع الطرق الصوفية ومن ضمنها الطريقة البكتاشية، وكان آخر مشايخها هو صالح نيازي الذي سافر إلى ألبانيا وانتخبه الدراويش البكتاشيون ليكون (رده بابا)، وهو أعلى منزلة في الطريقة، أي: شيخ مشايخ الطريقة.
وبعد اغتيال صالح نيازي هذا سنة 1942 م تولى بعده ابنه (دده بابا)، الذي قتل نفسه سنة 1949م بعد دخول البلاشقة إلى البانيا، ومنذ ذلك الوقت انتقل المركز الرئيسي للطريقة ليتحول إلى مصر، وتكون القاهرة هي المقر الحالي لهذه الطريقة.
أوراد البكتاشية:
وللبكتاشية أورادٌ وأذكارٌ مختلفة، نجد فيها تضميناً لأسماء أهل البيت (عليهم السلام)، والناظر في الأوراد البكتاشية يرى كيف أسست هذه الأوراد، فالورد البكتاشي يبدأ بذكر لله ثم للرسول (صلى الله عليه وآله)، ثم لعلي (عليه السلام)، ثم لفاطمة (عليها السلام)، ثم للحسن(عليه السلام)، ثم للحسين (عليه السلام)، ثم لعلي زين العابدين (عليه السلام)، ثم الباقر(عليه السلام)، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر (عليه السلام)عند الشيعة، ثم الإعلان أن الذاكر بهذا الذكر متولٍ للشيعة، بريء من جميع أهل أعدائهم، لاعن لهم.
وفي الختام فقد قدرت بعض الاحصائيات اعداد هذه الطائفة بـ 15 مليون نسمة، لهذا عدت من الأقليات الكبيرة، إذا ما وضعت في مواجهة الطائفة السنية الغالبة في تركيا.
المصدر: مجلة اليقين العدد (45)