هل ثمة شيء يقال على التشريعات والأحكام الإسلامية الخاصة بالمرأة؟ وهل الأحكام الإسلامية تتماشى والتطور الثقافي والحضاري المتسارع الذي نشهده في حياة المرأة؟
هذه الأسئلة وغيرها الكثير حاولت -بإرادة منها- أن تصنف التشريعات الخاصة بالمرأة على أساس أنها تشريعات قديمة لا تتماشى والعصرنة الحديثة لحياة المرأة!
ونحن الآن لا نريد الأخذ باستعراض تلك الإشكاليات الكثيرة (سنتعرض لبعضٍ منها لاحقاً إن شاء الله تعالى) بقدر ما نكون مستعدين لاستعراض المفاهيم الصحيحة لقيمة المرأة في الإسلام، وأنه كيف ينظر إليها ككيان مقدس له من القيمة الاجتماعية ما يناصف الرجل في صناعة الحياة!
وأن الإسلام أتاح لها من الفرص في الحياة من التعلم والعمل في الميادين المتعددة ما يُخرِسُ ألسنةَ المشككين والمتهمين للنظام الإسلامي بالتقييد والإذلال والإهانة للمرأة.
ومما يؤسف له أن تجد جملة من النسوة المسلمات تأثرن بتلك الصيحات والدعوات التي تُسوَقُ لهن بعناوين المدنية والتحرر والتطور، ووفقاً لتلك التأثرات نجد كثيراً من التغيرات التي طرأت على لباس المرأة وعفتها وما إلى ذلك من التغيرات التي نستطيع القول بأنها مسخت -في كثير من الحالات- هوية المرأة المسلمة، حتى باتت تتلاعب بها الموضات الغربية والإعلام المدمر من تلفاز وإنترنت وغيرها من الوسائل، بل الأمر لم يقتصر على ذلك وإنما تعدى إلى تسجيل حالات عنف من المرأة تجاه الأزواج!
فقد ذكرت دائرة إصلاح النساء في السليمانية على لسان مديرها (أوميد محمد): (حالات القتل العمد من قبل النساء لأزواجهن في ازدياد خلال المدة الأخيرة"، عازياً السبب إلى "الخلافات الزوجية والتطور التكنولوجي وتقليد الغرب والفهم الخاطئ لمعنى الحرية).
والسؤال المهم هو: ما السبب الذي جعل المرأة تتأثر بذلك التطور وتعتقد أنه في مصلحتها؟ والجواب:
1- غياب الوعي الديني عن ذهنية المرأة المسلمة، وابتعادها عن المفاهيم الإسلامية الصحيحة التي تكفل عزتها وسموها، وعدم وجود التغذية المناسبة لها في دائرة المجتمع والأسرة والمدرسة والعمل، مما فسح ذلك المجال لدخول وسيطرة المفاهيم المغلوطة عليها، وتسببت تلك المفاهيم في تغييرها وحرفها من المسار الصحيح، فتظن المرأة أن ما يطلق من شعاراتٍ برّاقة باسم (تحرير المرأة) يخدم مصلحتها وكرامتها، وهو العكس تماماً.
2- غياب المرأة القدوة الحسنة عن حياة المرأة المسلمة، وإحلال القدوة السيئة مكانها، قال تعالى بحقِّ آسية بنت مزاحم: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[1]، أو كما قال بحق مريم بنت عمران: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [2]، أو كما جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الزهراء(عليها السلام) قدوة النساء وسيدة نساء العالمين.
وهذان السببان (فيما نعتقد لا على سبيل الحصر) كفيلان بإبعاد المرأة المسلمة عن دينِها ومبادئِها، ودخولها في متاهات المفاهيم المشوهة، فتتقاذفها الأمواج وتغرق في بحر الحيرة والضلالة.
من هنا كان ولا بدَّ من توعية بناتنا ونسائنا توعيةً إسلاميةً شاملة، تزيح عنهن غُبارَ ما علق بالأذهان من مفاهيم باطلة، ومعانٍ تافهةٌ.
ولا بد أيضاً من إبراز القدوة العملية الحسنة للعظيمات من نساء الإسلام كي تتعرف المرأة المعاصرة على نساء دينها والإحتفاء بسيرتهن والإقتداء بهديهن، إذ إنّ من المناهج الأساسية التربوية في الإسلام هي (القدوة الحسنة)، حيث من الملاحظ أن الهداية في كثير من الأحيان لا تتحقق بمجرد إعطاء المفاهيم والأفكار والنظريات، وإنما تشكل ( القدوة الحسنة ) عنصرا أساسيا في هذه المناهج، فحينما تعرض سيرة الزهراء (عليها السلام) أو سيرة السيدة خديجة (عليها السلام) أو السيدة زينب (عليها السلام) ترى أن الموعظة أو النصيحة تأخذ بعداً آخَر في نفس المرأة، وتَبلُغُ في النفس أعلى درجاتِ التأثير والإنطباع.
وقد تكفلت السماء بعرض أطهر وأفضل نموذج بشري للناس أجمع ليكون أنموذجاً حياً في تمثيل قيم و مفاهيم السماء، ولم يقتصر التمثيل هذا على القدوة الرجل فحسب بل تمثلت سفارة السماء بنساء انعدم نظيرهن على وجه هذه الأرض فصرن قدوة للرجال والنساء على حدٍّ سواء، وإذا كان الرجل مختلفاً عن المرأة بكثير من الصفات والخصال وكانت تلك النسوة الطاهرات قدوةً لهم فكيف بالنساء؟!
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (4)