أسهمت المساجد والأبنية الأثرية بمدينة نزوى في ازدهار الحركة العلمية والثقافية، وبان دورهما في نشر العلم والدين في كافة أرجاء سلطنة عُمان، حيث تعد هذه الأبنية الأثرية شاهد عيان على تفوق الإنسان العُماني في مجال العمارة والفنون الإسلامية، حيث قام العُمانيون بتشييد المساجد والجوامع والبيوت الأثرية والأبنية الشامخة التي تخرّج منها حملة العلم والدين إلى باقي المدن العُمانية، وأصبحت الجوامع والمساجد والأبنية الأثرية بمثابة مراكز علمية يتخرج منها أفواج العلماء والمفكرين والأدباء والفقهاء الذين أثروا المكتبات الإسلامية بالعديد من الذخائر العلمية.
تتميز نزوى بتواجد أعداد كبيرة من المساجد المنتشرة في كل مكان، منها ما هو قديم، ومنها ما هو جديد، ومنها ما تم تجديده مع الاحتفاظ باسمه القديم، ومن أشهر المساجد القديمة مسجد الشيخ الذي بناه الشيخ بشر بن المنذر في حارة العقر، ومسجد الشواذنة الذي يقع أيضاً في حارة العقر والذي يقال بأنه أول مسجد بُني في نزوى وجامع سعال، بالإضافة إلى عدد كبير من المساجد القديمة منها جامع نزوى، ومسجد الشرجة، ومسجد النصر، ومسجد الشرع بقرية تنوف.
جامع سعال:
يعد جامع سعال بولاية نـزوى صرحاً تاريخياً، ومعهداً دينياً وعلمياً وثقافياً استقى منه العديد من العلماء والفقهاء الأجلّاء وطالبي العلم وخاصة في علوم العقيدة وأصول الفقه والحديث واللغة من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ حيث تخرج منه العديد من أولئك الأفاضل الذين نشروا رسالة العلم.
ويعدّ مسجد سعال من أقدم مساجد عُمان وأهمّها، وقد بُني هذا الجامع في السنة الثامنة من القرن الأول الهجري في عهد الصلت بن مالك الخروصي، وكان البعض يُصلّي فيه صلاة الجمعة بدلا من جامع نـزوى سابقا جامع السلطان قابوس حاليا، وذلك في زمن الوارث بن كعب الخروصي، حيث كان هذا المسجد عامراً بالمصلين.
ولهذا المسجد دور كبير في نشر التعليم الديني، فقد عمَّر مسجد سعال عدد من العلماء، وأقيمت فيه حلقات الذكر والتدريس وتخرّج منه عدد كبير من العلماء.
تقدم ان هذا المسجد بُني في السنة الثامنة من القرن الأول الهجري، ولكن جُدِّد بناؤه عدة مرات آخرها في عهد السلطان قابوس بن سعيد حيث قامت وزارة التراث والثقافة بترميم الجامع محتفظة بطرازه المعماري والأثري العريق.
ومحرابه من أقدم محاريب مساجد مدينة نزوى، بل من أقدم محاريب مساجد سلطنة عُمان قاطبة، فهو يشتمل على تاريخ ربيع الثاني 650 هـ/ يونيو 1252 م.
والمحراب يشهد على مهارة الصانع، وعلى المستوى الفني والتقني العالي، وخبرة فنّاني عُمان في القرن السابع للهجرة، وبراعتهم في فن زخرفة الجص، والمحراب مربع الشكل يبلغ طول ضلعه ثلاثة أمتار وإطاره الخارجي تحيط به من الداخل والخارج كتابات قرآنية، كُتبت بالخط الكوفي، أما الجزء السفلي، فيحتوي على اثنين وعشرين ختماً يحمل كل منها رسماً زخرفياً متنوعاً، كما يحتوي عقد طاقية المحراب على إطار مستطيل يُقرأ فيه توقيع الصانع على النحو التالي: (مما أمر بعمله العبد الراجي رحمة ربه أحمد بن إبراهيم بن محمد السعالي).
تبلغ المساحة الإجمالية للجامع 400 متر مربع ويرتفع عن الأرض 8 أقدام، وبه بئر تستخدم للشرب والوضوء.
وما يميز هذا الجامع أن به برجاً دائرياً حيث يعتبر القبة الخاصة بالمسجد باعتبار انه لا توجد منارة أو قبة به، وقد كُتب في محراب الجامع تاريخ بناء هذا الصرح ليبقى صرحا منيرا جامعا بين رسالة الدين والثقافة والتراث.
ويقع هذا الجامع في الجهة الشرقية من نـزوى بمنطقة سعال ويتوسط الجامع الحارة المسماة باسمه حارة الجامع كما أنه بني بالجص والأحجار التي نقلت إليه من جبل يقع بنفس المنطقة يسمى جبل الحوراء ليتسع وقتها لأكثر من 600 مصل.
وكان أهالي المنطقة يتناولون وجبة الإفطار في هذا الجامع نظراً لحاجتهم وقلة المال وتفرغهم للعبادة حيث كانت تعتمد نفقة تلك الوجبات من الأموال الخاصة بالجامع من الموقوفات.
ويعد جامع سعال ثاني مسجد في ولاية نـزوى الذي فرض نفسه بأن تقام فيه العديد من الندوات والمناسبات الدينية وحلقات الذكر والتدريس وتحفيظ القرآن الكريم.
المصدر: بيوت المتقين (52) شهر جمادى الآخرة 1439هـ