يعد مسجد عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) من أشهر مساجد مدينة الطائف الجبلية، وأنشئ عام 592هـ، وسمي بذلك لأنه يقع بجوار مقبرة حبر هذه الأمة وفقيهها الصحابي الجليل عبد الله بن عباس (رضي الله عنه).
يقول المؤرخ عيسى القصير: (أحب ابن عباس التنقل بين الشام والمدينة المنورة والطائف لنقل العلوم الدينية وتعليمها للناس إلا انه أحبّ الطائف لقربها من مكة المكرمة، واستقر بها حتى وافته المنية عام 68هـ، ودُفن فيها في الجهة التي تقع أمام مصلى النساء حاليا، وبُني بعد ذلك المسجد حوله وسمي باسمه).
قصة قبر ومقبرة عبد الله بن العباس
ظل قبر الصحابي عبد الله بن عباس(رضي الله عنه) 1000 عام تقريباً داخل مسجد عبد الله بن عباس في محافظة الطائف، ولكن المسجد هُدم عام 1378هـ، واستُؤنفت فيه الصلاة بعد ثلاثة أعوام من بنائه من جديد، هذا الوضع المستحدث غيّر مكان القبر من داخل المسجد إلى خارجه، وتحديدا خلف مكتبة عبد الله بن عباس من الجهة الغربية، ويؤكّد الباحث في التاريخ عيسى علوي القصير: (إن قبر الصحابي الجليل عبد الله بن العباس(رضي الله عنه) كان عليه تابوت أخضر وستارة خضراء وشباك حديدي مثلما كان في مساجد المدينة)، ويؤكّد القصير(إن حبر الأمة وترجمان القرآن، عبد الله بن عباس(رضي الله عنه) توفي في الطائف عام 68 من الهجرة، في أيام عبد الله ابن الزبير).
دور المسجد:
كان المسجد- كما يذكر القصير في كتابه «الطائف القديم» - يؤدي دوره منذ تأسيسه حيث تقام فيه الجمعة والجماعة، كما انه عامر بحلقات التدريس في علوم القرآن والحديث والفقه منذ القِدم، فكان يضم حلقات تحفيظ القرآن وسبقته الكتاتيب لتعليم الأولاد والأطفال مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن.
البناء والعمارة:
تم بناء مسجد عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) في الطائف في عام 592هـ، في عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء، وجُدّدت عمارة المسجد مرات كثيرة خلال القرون الماضية.
يقول عيسى القصير: (بان المسجد قديما وفي عهد الأشراف-حكام الحجاز سابقا- كان صغير المساحة مبنيا كغيره من المباني بالحجارة، وأرضه تراب وعليه مئذنة عثمانية الزخرفة)، ويقول: (جددت عمارة المسجد في العهد العثماني مرات عدة، وفي العهد السعودي أمر الملك سعود عام 1378هـ بعمارة المسجد عمارة كاملة، وإعادة بناء مناراته وأبوابه حيث تم الانتهاء من عملية البناء عام 1381هـ، والتوسعة الأخرى والتي هي عليه حاليا كانت في مطلع عهد الملك فيصل حيث بلغت مساحة المسجد ما يقارب 15 ألف متر مربع).
وصف المسجد وملحقاته:
يحتوي المسجد على المصلّى الرئيسي للرجال في الطابقين الأرضي والميزانين ويتسع لـ (11.300) مصلٍ، ومصلّى للنساء في طابق الميزانين يتسع لـ (1000) مصلية.
أما ملحقات المشروع، فتتكون من مواقف للسيارات وهي في طابقين تحت الأرض، كما تم توفير مواقف للسيارات في الساحات المحيطة بالمسجد. بالإضافة لدورات المياه والتي تحتوي على (239) وحدة صحية و(571) صنبوراً للوضوء..
وبجوار المسجد مبنى المكتبة والذي يتألف من طابق قبو وطابق أرضي وثلاثة طوابق علوية، وتحتوي المكتبة على صالات للمطالعة العامة والمطالعة السمعية والبصرية والإلكترونية والفهارس، وصالات محاضرات، وايضا يقع بجوار المسجد مبنى مغسلة الموتى ويحتوي على قسمين قسم للرجال، وقسم للنساء.
وتوجد بجانب المسجد مقبرة هي مقبرة الشهداء من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذين استشهدوا عند فتح الطائف في السنة الثامنة من الهجرة.
وبنيت بجوار المسجد منازل ودور سكن ودكاكين مما أدى إلى إنشاء الأزقة من حوله.
عبد الله بن عباس في نظر الشيعة:
عبد الله بن عباس هو ابن عم النبي(صلى الله عليه وآله)، وابن عم الامام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهو من اصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) وعلي والحسن (عليهما السلام).
إن عبد الله بن عباس ممدوح لدى الإمامية فلا يمكن القول بتضعيفه لعدم الدليل على ذمّه أو القدح به، ومن كلمات بعض اعلام الامامية في حقه:
1- قال العلامة الحلي(قدس سره): (عبد الله بن العباس من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)كان محباً لعلي (عليه السلام) وتلميذه، حاله في الجلالة والاخلاص لأمير المؤمنين(عليه السلام) أشهر من ان يخفى)[1].
2- وقال ابن داود(قدس سره): (عبد الله بن العباس (رضي الله عنه) حاله أعظم من ان يشار إليه في الفضل والجلالة ومحبة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وانقياده له)[2].
3- وقال التستري(قدس سره) بعد أن ذكر جملة من مواقفه مع اعداء أهل البيت(عليهم السلام)، لو قيل: إن هذا الرجل أفضل رجال الاسلام بعد النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) وحمزة وجعفر (رضي الله تعالى عنهما) كان في محله)[3].
4- وقال السيد الخوئي(قدس سره) في: (والمتحصل مما ذكرنا ان عبد الله بن عباس كان جليل القدر مدافعاً عن أمير المؤمنين(عليه السلام))[4].
وبنفس هذا الكلام ذكره كل من ترجم له، ارجع الى:(1) رجال الطوسي: 254، (2) منتقى المقال: 197، (3) رجال الكشي: 415، (4) رجال ابن طاووس: 320، (5) الدرجات الرفيعة: 102.
ولكن ولأجل مواجهة ابن عباس لأعداء أهل البيت (عليهم السلام) تعرض للمطاعن من قبل اعداءهم، وهذا ـ دائماً ـ جزاء المقتفي والمتبع لعلي وآل علي (عليهم السلام)[5].
المصدر: بيوت المتقين (53) شهر رجب 1439هـ