حديث أهل البيت (عليهم السلام)

1- عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام) قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام): (إِذَا حَدَّثْتُمْ بِحَدِيثٍ فَأَسْنِدُوه إِلَى الَّذِي حَدَّثَكُمْ فَإِنْ كَانَ حَقّاً فَلَكُمْ وإِنْ كَانَ كَذِباً فَعَلَيْه)[1].

كما أنّه لا بدّ لك في نقل متن الحديث من حفظه عن الزيادة والنقصان تحرّزاً عن الكذب والافتراء، كذلك لا بدّ في نقل سنده من حفظه عن الإرسال وحفظ بعض الوسائط تحرّزاً عنهما (أي: الكذب والافتراء) وعن التمويه والتدليس الذي لا يليق بالعادل، فإن أردت أن تروي حديثاً لا ينافي شيئاً من ضروريات الدين ولا يكون مضمونه باطلاً بالضرورة فأسنده إلى من حدّثك به بلا واسطة، فإن كان حقّاً مطابقاً للواقع فلك الأجر والثواب بنشر العلم والحديث، وإن كان كذباً فعليه كذبه لا عليك لأنّك صادق، وإنّما قلنا: لا ينافي شيئاً من ضروريات الدين لأنّه لو كان منافياً لها لا يجوز لك نقله عمّن حدّثك أيضاً لا للتحرّز عن الكذب، لأنّك في هذا النقل صادق، بل للتحرّز عن نشر الباطل وبثّ الجهل.

2- عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام): (اكْتُبْ وبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ فَإِنَّه يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيه إِلَّا بِكُتُبِهِمْ) [2].

قوله (عليه السلام): (اكْتُبْ وبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ) يعني: اكتب الأحاديث وانشر علمك في إخوانك ليعلموا كما علمت وينشروا في إخوانهم كما نشرت، وهكذا إلى قيام الساعة.

وقوله (عليه السلام): (فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ) ليقوموا مقامك في حفظ الكتب وضبط الحديث ونشر العلم، ثمّ علّل الأمر بالكتابة والإيراث بقوله: (فَإِنَّه يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ) الهرج بفتح الهاء وسكون الراء الفتنة والاختلاط والقتل، أي: يأتي زمان تكثر فيه الفتنة ويضطرب فيه أهل الحقّ ويختلط الحقّ والباطل، كلّ ذلك لارتفاع لواء الظَلَمة وارتقاء دولتهم وشدّة عداوتهم لأهل الحقّ حتى أنّهم يقتلون العالم الربّاني أينما وجدوه ومن رجع إليه أينما ثقفوه.

ثم قال (عليه السلام): (لَا يَأْنَسُونَ فِيه إِلَّا بِكُتُبِهِمْ) لعدم إمكان رجوعهم إلى المعصوم والسماع منه إمّا لغيبته أو لشدّة الخوف والتقيّة، وهذا الذي أمر به (عليه السلام) وفعله السلف رضوان الله عليهم من كتب الأحاديث وتدوينها كمال الشفقة على الاُمّة، إذ لولا ذلك لكانت الاُمّة تائهة حائرة في دين الحقّ وأحكامه، سيّما في هذا العصر فجزاهم الله تعالى عنّا خير الجزاء.

3- عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ وغَيْرِه قَالُوا سَمِعْنَا أَبَا عَبْدِ الله الصادق (عليه السلام) يَقُولُ: (حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي وحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي وحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ وحَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ وحَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وحَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) وحَدِيثُ رَسُولِ الله قَوْلُ الله عَزَّ وجَلَّ) [3].

يتبين من هذا الحديث الشريف أنّ حديث كلّ واحد من الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) قول الله عزّ وجلّ ولا اختلاف في أقوالهم كما لا اختلاف في قوله تعالى، وجه الاتّحاد ظاهر لمن له عقل سليم وطبع مستقيم، لأنّ الله عزّ وجلّ وضع العلم والأسرار في صدر النبيّ (صلى الله عليه وآله) ووضعه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في صدر عليّ (عليه السلام)، وهكذا من غير تفاوت واختلاف في الكميّة والكيفيّة ولا استعمال آراء وظنون داعية إلى الاختلاف وعلى هذا ظهر معنى الاتّحاد.

وهذا كما إذا أورثك آباؤك جوهراً نفيساً انتقل من واحد بعد واحد إليك، فإذا قلت: جوهري هذا جوهر أبي وجوهر أبي جوهر جدّي وهكذا إلى أن تبلغ إلى الأصل فقد كنت صادقاً في هذا القول بلا شبهة، إلّا أنّ بين هذا وما نحن فيه فرقاً، فإنّ الجوهر انقطع عنه أيدي آبائك بخلاف العلم فإنّه انتقل من صدر مطهّر إلى صدر مطهّر من غير أن يزول عن الأوّل وينقطع تصرّفه فيه، وما في بعض الروايات من نقل أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)
عن أبيه عن جدّه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أو إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) تصريح بما هو في الواقع ومعلوم ضمناً وفائدته إمّا علوّ الإسناد أو رفع ما يختلج في قلب السامع أو التنبيه على شدّة الاهتمام بمضمون الحديث.

فإن قلت: فعلى هذا يجوز من سمع حديثاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن يرويه عن أبيه، أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى؟

قلت: هذا حكم آخر غير مستفاد من هذا الحديث، نعم يستفاد من بعض الروايات جواز ذلك بل أولويّته، والله أعلم.

4- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ شَيْنُولَةَ قَالَ قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي (عليه السلام): (جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) وكَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ ولَمْ تُرْوَ عَنْهُمْ فَلَمَّا مَاتُوا صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا فَقَالَ حَدِّثُوا بِهَا فَإِنَّهَا حَقٌّ) [4].

قول الراوي له (عليه السلام): (جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّ مَشَايِخَنَا رَوَوْا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) وكَانَتِ التَّقِيَّةُ شَدِيدَةً فَكَتَمُوا كُتُبَهُمْ ولَمْ تُرْوَ)، قال بعض المحقّقين: الأصوب أن يقرأ (فلم تروَّ) بفتح الواو المشدّدة وفتح الراء على صيغة المجهول، أمّا بضمّ النون للمتكلّم مع الغير أو بضمّ تاء التأنيث للغائبة من التروية بمعنى الرخصة.

يقال: روّيته الحديث تروية أي حملته على روايته، ورخصت له فيها وضمير الجمع في (عنهم) للمشايخ، والمعنى فلو نُروَّ نحن عن المشايخ، يعني لم تقع الرخصة لنا من قبلهم في رواية كتبهم وما فيها من الأحاديث عنهم أو لم تروَّ كتبهم وأحاديثها يعني لم تقع الرخصة لنا من قبلهم في روايتها، وضبطه بعضهم بتخفيف الواو المفتوحة وسكون الراء وضمّ التاء، يعني لم ترو كتبهم وأحاديثهم عنهم ولم تبلغ روايتها إلينا سماعاً أو قراءة أو إجازة أو مناولة أو غير ذلك من طرق تحمّل الحديث، وضبطه بعضهم (فلو نرو) بفتح النون وسكون الراء وكسر الواو المخفّفة على صيغة المعلوم للمتكلّم مع الغير.

وقيل: هذا تصحيف، وفي بعض النسخ: فلم يرووا عنهم يعني فلم يرووا المشايخ أحاديث كتبهم من الأئمّة (عليهم السلام) ولم ينشروها بين الناس، فضمير الجمع في الفعل للمشايخ، وفي عنهم للأئمّة (عليهم السلام).

قوله: (فَلَمَّا مَاتُوا صَارَتِ الْكُتُبُ إِلَيْنَا) ونحن نعلم أنّها كتبهم بالقرائن المفيدة للعلم أو بقول الثقات.

قوله (عليه السلام): (فَقَالَ: حَدِّثُوا بِهَا) عنهم عن شيوخهم إلى المعصوم أو قولوا: روى فلان في كتابه كذا، أو قال فيه كذا.

قوله (عليه السلام): (فَإِنَّهَا حَقٌّ) ثابت وما كتبوا فيها من الأحاديث معتبر منقول عنهم (عليهم السلام)، وفيه دلالة على جواز الأخذ من الكتاب وإن لم يأذن صاحبه الأخذ منه وجواز الاعتماد على الكتابة وحمله على خصوص التقيّة لعلمه (عليه السلام) بحقيقة تلك الكتب كما يشعر به ظاهر التعليل محتمل، وعلى تقدير العموم جاز العمل بالكتب المشهورة عن المحمّدِين الثلاثة رضوان الله عليهم، وإن لم يتّصل سلسلة السماع من الشيوخ بهم.

مجلة بيوت المتقين العدد (17)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٥٢.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٥٢.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٥3.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص٥3.