سبب حادثة التصدق

وقد حفلت الروايات الكثيرة، بأن سبب نزول سورة «هَلْ أَتَى»: هو أن الحسنين (عليهما السلام) مرضا، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعض من أصحابه. وجعل علي على نفسه، وكذلك الزهراء، والحسنان (عليهم السلام)، وفضة رحمها الله: إذا عافاهما الله أن يصوموا ثلاثة أيام شكراً لله تعالى.

فألبسهما الله سبحانه عافيةً، فأصبحوا صياماً، وليس عندهم طعام، فحصل علي(عليه السلام) على ثلاثة أصوع من شعير، جاء بها للزهراء(عليها السلام) مقابل أن تغزل جزة صوف.

فغزلت ثلث الصوف، وطحنت صاعاً من الشعير، وخبزت منه خمسة أقراص بعددهم. فصلى علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم أتى منزله، ووضع الطعام، فأول لقمة كسرها علي عليه السلام إذا مسكين قد وقف على الباب، وطلب أن يطعموه، فوضع علي (عليه السلام) اللقمة من يده.. ودفعوا ما على الخوان إلى المسكين، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلا الماء القراح.

وفي اليوم التالي تكرَّرت القضية برمتها، حيث جاءهم يتيم هذه المرة، وذلك بمجرد أن كسر الإمام علي (عليه السلام) اللقمة، فأعطوه ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلا الماء القراح.

وهكذا جرى أيضاً في اليوم الثالث، حيث جاءهم أسير من أُسراء المشركين، وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسروننا، وتشدوننا، ولا تطعموننا.

فوضع علي اللقمة من يده، وأعطوه ما على الخوان. وباتوا جياعاً. وأصبحوا مفطرين، وليس عندهم شيء.

وأقبل علي (عليه السلام) بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهما يرتعشان كالفراخ من شدة الجوع.

فقال(صلى الله عليه وآله): (يا أبا الحسن: أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة).

فانطلقوا، وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدة الجوع، وغارت عيناها.

فلما رآها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ضمها إليه، وقال: (واغوثاه، بالله أنتم منذ ثلاث فيما أرى؟).

فهبط جبرئيل، فقال: يا محمد، خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.

فقال: (وما آخذ يا جبرئيل؟).

قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)[1].

وذكرت بعض النصوص: أن هذه السورة قد نزلت في الخامس والعشرين من ذي الحجة[2].

وهناك تفاصيل وخصوصيات مختلفة وردت في الروايات، لا مجال لتقصيها وتتبعها.. لأن المقصود هنا مجرد الإشارة.

لماذا أعطوا جميع الطعام؟!

وقد يتساءل البعض عن سبب إعطاء جميع الطعام للسائل، مع أنه كان يكفيه بعضه، ويكتفي الباقون بما بقي منه.

وستأتي الإجابة على هذا السؤال، حيث سيظهر أن المقصود لم يكن هو مجرد إشباع ذلك السائل، بل المقصود هو إعطاؤه ما يجد معه الأمن والسكينة لأطول فترة ممكنة، ليجد الفرصة للتحرك باتجاه الخروج من الحالة التي هو فيها إلى ما هو أفضل.

 


[1] (راجع تفسير نور الثقلين، الحويزي: ج5، ص474 و477 عن أمالي الصدوق والبرهان (تفسير): ج4، ص412 و413).

[2]  تفسير نور الثقلين الحويزي: ج5، ص473 عن مناقب آل أبي طالب.