من خصال العقيلة زَيْنَب(عليها السلام): زهدها في الدنيا، فقد نبذت جميع زينتها ومباهجها، مقتدية بأَبيها الذي طلّق الدنيا ثلاثاً لا رجعة له فيها، فعن ضِرَارِ بْنِ ضَمْرَةَ اَلضَّابِيِّ حَمْزَةَ اَلضَّبَائِيِّ عِنْدَ دُخُولِهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَمَسْأَلَتِهِ لَهُ عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) قَالَ: فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ مَوَاقِفِهِ، وَقَدْ أَرْخَى اَللَّيْلُ سُدُولَهُ، وَهُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِهِ، قَابِضٌ عَلَى لِحْيَتِهِ، يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ اَلسَّلِيمِ، وَيَبْكِي بُكَاءَ اَلْحَزِينِ، وَهُوَ يَقُولُ: (يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي، أَبِي تَعَرَّضْتِ، أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ، لاَ حَانَ حِينُكِ، هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي، لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ، قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلاَثاً لاَ رَجْعَةَ فِيهَا، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَخَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَأَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ اَلزَّادِ، وَطُولِ اَلطَّرِيقِ، وَبُعْدِ اَلسَّفَرِ، وَعَظِيمِ اَلْمَوْرِدِ)[1].
وهي المقتدية بأُمّها سيّدة نساء العالمين(عليها السلام)، فقد كانت فيما رواه المؤرّخون لا تملك في دارها سوى حصير من سعف النخل وجلد شاه، وكانت تلبس الكساء من صوف الإِبل، وتطحن بيدها الشعير، إِلى غير ذلك من صنوف الزهد والإِعراض عن الدنيا، وقد تأثرت عقيلة زَيْنَب(عليها السلام) بهذه الروح الكريمة، فزهدت في جميع مظاهر الدنيا، وكان من زهدها أَنّها ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها، حسب ما رواه عنها الإِمام زين العابدين(عليه السلام)[2]، وقد طلّقت الدنيا، وزهدت فيها، وذلك بمصاحبتها لأَخيها أَبي الأَحرار(عليه السلام)، فقد علمت أَنه سيستشهد في كربلاء، كما أَخبرها بذلك أَبوها، فصحبته وتركت زوجها الذي كان يرفل بيته بالنعيم ومتع الحياة، رفضت ذلك كلّه، وآثرت القيام مع أَخيها لنصرة الإِسلام، والذبّ عن مبادئه وقيمه، وهي على علم بما تشاهده من مصرع أَخيها، وما يجري عليها بالذات من الأَسر والذل، ولكنها أَقدمت على ذلك خدمة لدين الله تعالى.