التعاليم الإسلامية ترى أن الروابط الاجتماعية في مرحلة التفكير يجب أن تكون قائمة على أصول حبّ الخير والمحبة والمودة وحسن الظّن، بمعنى أن المسلمين يجب أن تكون صفحة رؤيتهم ونيّتهم عن إخوتهم وأخواتهم في الدين حسنة وجميلة، فيجدر بالإنسان المسلم أن يحمل في عقله وذهنه صفة سلامة النية والنصيحة والحبّ وابتغاء السعادة للآخرين ويتجنّب التآمر والتواطؤ ضدهم.
سوء الظن بالناس:
هو أن يتخيّل الإنسان ويظنّ بأفراد المجتمع سوءً من غير أن يصدر منهم عمل يبرر سوء الظن بهم، ثم بعد ذلك يرتّب الأثر على وساوسه وأوهامه. وهذا النوع من إساءة الظن يعد من الصفات الرذيلة ومن الذنوب، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (سوء الظنّ بالمحسن شرّ الإثم وأقبح الظلم)[1].
ذم سوء الظن في الإسلام:
سوء الظن يعتبر من الأمراض الأخلاقية الخطرة. فمن غطّى غبار سوء الظّن صفحة قلبه الصافية، لا يرى الآخرين على جمالهم ولا يمكنه درك الواقع، وقد حذّر الإسلام أتباعه من هذه الصفة تحذيراً شديداً. فقد جاء في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...)[2].
كما أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يقول: (إن الله تعالى حرّم من المسلم دمه وماله وأن يظن به ظن السوء)[3].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (سوء الظّن بمن لا يخون من اللؤم)[4].
آثار سوء الظن:
لسوء الظن تبعات مقيتة تلم بالحياة الفردية والاجتماعية:
الآثار الفردية:
أولاً: العزلة والابتعاد عن الناس: الحياة الاجتماعية قائمة على أساس الأنس والألفة والثقة المتبادلة بين البشر، فإذا ظن الناس بغيرهم سوءً تزول الثقة المتبادلة ويحل النفور والابتعاد عن الناس محل الأنس والألفة ويفرّ الشخص المسيء بالظنّ من الآخرين ويبتعد عنهم ويصبح وحيداً.
عن الإمام علي (عليه السلام): (من لم يُحسن ظنّه استوحش من كل أحد)[5].
ثانياً: فساد العبادة: سوء الظن بالآخرين وترتيب الأثر على ذلك، يفسد عبادة الإنسان ويتحفه بحمل ثقيل من الذنوب. عن الإمام علي (عليه السلام): (إياك أن تُسيء الظّنّ فإنّ سوء الظّنّ يُفسد العبادة ويعظّم الوزر)[6].
فالإنسان عندما يسيء الظّنّ بالآخرين، يقضي بحقهم قضاءً باطلاً ويتبعه الكلام البذيء ضدّهم واستغابتهم واعتبار نفسه أفضل منهم. وأخيراً تكون نتيجة هذه الأعمال، الخواءَ وفسادَ العبادة.
الآثار الاجتماعية:
أولاً: انعدام الثقة المتبادلة: سوء الظن، يُزيل الثقة الجماعية ويلوّثها ويذهب بأمن المجتمع بحيث لا تبقى ثقة واطمئنان بين أفراده، فأفراد المجتمع كلٌّ ينظر إلى الآخر بعين الخيانة ويفرّ منه.
وقد رصد أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الظاهرة فحذر منها حينما قال: (شرّ النّاس من لا يثق بأحدٍ لسوء ظنّه، ولا يثق به أحدٌ لسوء فعله)[7].
ثانياً: فساد الأعمال وتشجيع الآخرين على الشرّ: من آثار سوء الظن هو جرّ الأعمال الصالحة نحو الفساد؛ لأن سوء الظنّ يؤدي إلى انعدام الثقة، الامر الذي يؤدي إلى صدور ردود فعل معاكسة من الآخرين بحيث يقوموا بتصرفات متصنّعة - لأجل جلب الثقة - تجرّ إلى الإخلال بأعمال الآخرين أو بإيجاد المشاكل وتعقيد الأمور بدل الأفعال التي تنطلق من دواعي الشفقة والحب للآخرين. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (سوء الظنّ يُفسد الأمور ويبعث على الشرور)[8].
طرق مكافحة سوء الظن:
هناك عدة طرق للقضاء على سوء الظن منها:
الأول: إصلاح النفس:
سوء الظن يصدر من الأشخاص المذنبين الأشرار ذوي الطبيعة السيئة، وهذا يعني أن الأفراد الفاسدين المذنبين، يقارنون الآخرين بأنفسهم ويرون انعكاس ذنوبهم ورذائلهم فيهم، لذلك يرون الجميع مثل أنفسهم لهم نفس خصالهم، فسيء الظّنّ يتحتّم عليه للقضاء على هذه الحالة قبل كل شيء أن يهتم بإصلاح عيوبه، حتى إذا ما قارن الآخرين بنفسه، لا ينجر إلى سوء الظّنّ بهم، إذن أحد طرق مكافحة سوء الظن هي إصلاح عيوب النفس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا أيها الناس طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس...)[9].
الثاني: حمل عمل المسلمين على الصحة:
إن القاعدة الكلية عن الأفراد المسلمين هي أن الفرد المسلم ظاهر الصلاح، ليس له أفكار سيئة ولا يأتي بالقبيح من الأعمال وليس على ضلال، وبحكم الإسلام إنه منزّه من كثير من الرذائل والأعمال القبيحة، لذلك فالأعمال التي يراها المسلمون من إخوتهم، يجب حملها على الصحة مهما أمكن وكان لها توجيهاً مقبولا، كما يجب الامتناع والتورّع عن حمل أعمال وأقوال الآخرين على غير الصحة، وهذا طريق آخر من طرق مكافحة سوء الظن.
الثالث: اتقاء التسرّع:
أحد طرق مكافحة سوء الظن هو إذا سمع الإنسان شيئاً عن أخيه المسلم عليه ألا يتسرّع في القضاء وترتيب الأثر، بل يصبر حتى يتأكد من صحة الخبر أو تكذّيبه، فإذا اطمأن وتأكد منه عندئذٍ لا بأس بترتيب الأثر.
عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): (... وإذا ظننت فلا تقض ...)[10].
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (أيها الناس من عرف من أخيه وثيقة دين وسداد طريق فلا يسمعنّ فيه أقاويل الناس، أما إنه قد يرمي الرامي ويُخطيء السهام، ويحيل الكلام، وباطل ذلك يبور والله سميع وشهيد)[11].
قد يخطر هذا السؤال في ذهن أحد وهو هل إن سوء الظن بأي أحد، وفي كل وقت قبيح، أم أن هذا الأمر يختلف حسب الزمان والأفراد؟
ففي الجواب يجب القول: إن ما جاءنا في الروايات هو أن سوء الظن قد يجوز في بعض المواقع بل قد يجب، وفيما يلي نشير إلى بعض هذه المواقع:
أ) زمان غلبة الفساد: ففي المحيط الذي عَمَّ الفساد أكثر أفراده وشاعت فيه المعاصي والذنوب، يكون حسن الظن في هذا المحيط عملا غير منطقي وغير مُحبَّذ وقد يؤدي إلى خداع الإنسان وضرره، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (إذا استولى الفساد على الزمان وأهله، فأَحْسَنَ رَجُلٌ الظّنّ برجلٍ فقد غُرِر)[12].
ب) بعد الصلح مع العدو: حسن الظن بالعدو بعد الصلح يدل على السذاجة وعدم الحنكة، فالمسلم يجب أن يكون دائماً حذراً ذكياً لا يخدع بأحابيل خصمه، فقد يكون صلحهم حيلة جديدة لإغفال المسلمين والتسلّط عليهم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربّما قارب ليتغفل، فخذ الحزم، واتّهم في ذلك حسن الظن)[13].
[1] عيون الحكم والمواعظ: ص284.
[2] الحجرات: 12.
[3] بحار الأنوار: ج72، ص201.
[4] عيون الحكم والمواعظ: ص284.
[5] عيون الحكم المواعظ: ص465.
[6] عيون الحكم والمواعظ: ص99.
[7] عيون الحكم والمواعظ: ص295.
[8] عيون الحكم والمواعظ: ص283.
[9] نهج البلاغة: ج2، ص96.
[10] الوسائل: ج11، ص363.
[11] نهج البلاغة: ج2، ص24.
[12] نهج البلاغة: ج4، ص27.
[13] نهج البلاغة: ج3، ص106.