شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)

الإمام الصادق (عليه السلام) سليل الدوحة الهاشمية للأئمة (عليه السلام) التي تنتهي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهو سادس أئمة أهل البيت (عليه السلام) وعنوان شيعتهم، إذ أنهم كانوا ولا زالوا يلقبون بـ(الجعفرية) تعبيراً عن انتمائهم لهذا الإمام العظيم الذي شيّد جامعة الدين الأصيل ورفد الأمة الإسلامية على سعتها بعلوم الدين والدنيا.

أبوه الإمام الباقر(عليه السلام) (باقر علوم الأولين والآخرين)، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، ولذلك كانت للإمام الصادق (عليه السلام) من حيث النسب مكانة عظيمة في قلوب المسلمين جميعاً.

ولد 8 في يوم 17 ربيع الأول من سنة 83هـ، وكانت شهادته في 25 شوال من سنة 148هـ، وبذلك فإن عمره الشريف يبلغ 65 سنة، والمشهور أنه أطول عمراً من جميع أئمة أهل البيت - باستثناء الإمام الحجة (عجل الله فرجه)-.

وقد ملك الإمام الصادق(عليه السلام) بأخلاقه وعبادته وأدبه جوامع القلوب، ويكفينا في ذلك ما روي عن مالك بن أنس فقيه المدينة حيث قال: (..كان (عليه السلام) رجلا لا يخلو من إحدى ثلاث خصال، إما صائما وإما قائما وإما ذاكرا، وكان من عظماء العبّاد وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم عزّ وجلّ، وكان كثير الحديث طيّب المجالسة كثير الفوائد، فإذا قال: (قال رسول الله) اخضرّ مرة واصفرّ مرة اخرى حتى ينكره من يعرفه، ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه وكاد أن يخر من راحلته، فقلت يابن رسول الله ولا بد لك أن تقول، فقال: (يابن أبي عامر، فكيف أجسر أن أقول لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول الله عز وجل لي: لا لبيك ولا سعديك).

عصر الإمام الصادق(عليه السلام):

 لقد عاصر الإمام الصادق(عليه السلام) في فترة إمامته ظروفا وأحداثا متميزة في العالم الإسلامي، فلقد شهدت تلك الفترة سقوط الدولة الأموية ومجيء الدولة العباسية بعد حكم دام 1000 شهر لبني أمية، وقد استتبعت هذه الحادثة مآسي ومظالم كثيرة هزّت كيان الأمة الإسلامية، فلقد كان خلفاء بني العباس الذين تصدروا الدولة العباسية - أبو العباس السفاح وأبو جعفر المنصور- من أشد الناس سفكا للدماء وانتهاكا للحرمات لتوطيد دعائم حكمهم.

كما شهدت تلك الفترة انفتاح العالم الإسلامي على الثقافات الخارجية كالرومانية واليونانية والفارسية، فانتشرت الأفكار والمعتقدات الغريبة وعلوم الفلسفة والكلام، مما ساعد على نشوء حركات الزندقة والارتداد عن الدين الاسلامي، حتى وصلت الحالة إلى أن تكون لتلك الحركات كيانات ومواقع مؤثرة في المجتمع. ثم إن هذه الفترة شهدت نشوء التيارات المذهبية في جسم الأمة الإسلامية نفسها، حيث تعددت المدارس الفقهية، وكثرت الآراء في علوم القران والسنة والحديث، وكان للانفتاح الثقافي آنذاك تأثير على تطور هذا الجانب، ولعل من أبرز معالم هذا المجال نشوء المذاهب الإسلامية الأربعة المعروفة: الحنفية والمالكية والحنبلية والشافعية.

وقد شهدت هذه الفترة أيضا بروز تيار الزيدية المناوئ للحكم، وهذا التيار كان يرفع شعارات لها وجهُ شبَهٍ بشعارات الموالين لأهل البيت (عليه السلام)، ولكنه كان يؤمن بضرورة القتال ضد الأنظمة الظالمة، ويشترطون في مواصفات الإمام أن يكون خارجا بالسيف، لذلك كان خط الزيدية حركة بعيدة عن خط الأئمة الإثني عشر (عليه السلام).

جهاد الإمام الصادق (عليه السلام):

ومن بين كل تلك المحن والملابسات وأمثالها، انبرى الإمام الصادق (عليه السلام) للدفاع عن الشريعة المقدسة وتثبيت دعائمها في صدور الناس، وعمل على حفظ الأمة الإسلامية من الاضمحلال والضياع، في الوقت الذي كان يؤدي فيه مسؤوليته الكاملة كإمام من أئمة أهل البيت تجاه شيعته وأنصاره ومحبيه.

وعلى الرغم من أن تلك التيارات القوية تمكنت من أن تحرز مكاسب معينة آنذاك - كالدولة العباسية - إلا أنها تهاوت في النهاية وعصفت بها رياح التغيير إلى غير رجعة، وبقي خط أهل البيت (عليه السلام) هو الخط الوحيد الذي صمد في وجه تلك الزلازل واستمر بالنمو والتطور والاتساع إلى يومنا الحاضر، وكل ذلك كان بفضل المنهج العظيم الذي سلكه الإمام الصادق (عليه السلام) ولم يتزحزح عنه في أحلك الظروف والأحوال.

معالم مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام):

إن من أبرز معالم منهج الإمام الصادق (عليه السلام) هو توسيعه للمدرسة الإسلامية التي أنشأها أبوه الإمام الباقر(عليه السلام) بحيث تمكنت هذه المدرسة وخلال فترة قياسية من أن تغذي الأمة الإسلامية بالعلماء والمحدّثين الذين كان لهم فضل عظيم في تثبيت قواعد الدين بوجه الغزو الثقافي المنحرف، ويكفينا في ذلك قول أبي محمد الوشاء: إني أدركت تسعمائة شيخ كلٌ يقول حدثني جعفر بن محمد (صلى الله عليه وآله). ولا يقتصر هذا الأمر على شيعة أهل البيت (عليه السلام)، وإنما كان الامام الصادق(عليه السلام) رافدا علميا لغير أتباعه بشكل مباشر أو غير مباشر، وخير دليل على ذلك أئمة المذاهب الإسلامية الأربعة الرئيسة، فالإمام أبو حنيفة النعمان كان يتصل بالإمام(عليه السلام) وينتهل العلم منه، والإمام مالك بن أنس كان تلميذا للإمام(عليه السلام) وشديد الصلة به، والإمام أحمد بن حنبل تعلم على يد الإمام مالك، والإمام الشافعي درس على يد أحمد بن حنبل.

استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام):

كانت المكانة التي يحتلها الإمام الصادق (عليه السلام) في الأمة الإسلامية تقض مضاجع الظالمين، وعلى الرغم من أنه لم يبدر منه ما يدل على تحركه باتجاه إسقاط دولة بني العباس، إلا أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور لم ينفك عن التضييق عليه ومحاولة قتله، ومن ذلك أنه قال يوما لصاحب سره محمد بن عبد الله الاسكندري: يا محمد هلك من أولاد فاطمة مقدار مئة أو يزيدون وقد بقي سيدهم وإمامهم. فقال له محمد: مَن ذلك؟ فقال: جعفر بن محمد الصادق. فقال: يا أمير المؤمنين إنه رجل انحلَته العبادة واشتغل بالله عن طلب المُلك والخلافة، فانتهره المنصور وقال: علمت أنك تقول بإمامته، ولكن الملك عقيم، وقد آليت على نفسي أن لا أمسي عشيتي هذه أو أفرغ منه. ثم استدعى أحد جلاوزته وأمره بقتل الإمام لكن الله سبحانه أنجاه منه.

واستمرت محاولات المنصور على هذا المنوال إلى أن دس للإمام الصادق(عليه السلام) نقيع السم في عنب ورمان، حتى إذا أكل منه الإمام تغير لونه وصار يجــــود بنفسـه المقدسة وهو يتقيّأ كبده قطعا قطعا، ثم قضى نحبه والتحق بالرفيق الأعلى مهضوما.

إن الإمام الصادق(عليه السلام) يُعد بحق خير قدوة للمسلمين على اختلاف مذاهبهم، فلقد أثبت للتاريخ أن الدين الإسلامي يقوم على أساس العقل والمنطق السليم، وهو شريعة لا تحتمل أتباع الأهواء الذاتية والمصالح الوقتية التي تزول بزوال أهلها، ومهما توالت الخطوب وتكاثرت الرزايا، فلا بد من أن يأتي اليوم الذي تزدهر فيه شجرة الإسلام المقدسة وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

زيارة أئمة البقيع:

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَئِمَّةَ الْهُدى، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ أهل التَّقْوى، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْحُجَجُ على أهل الدُّنْيا، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ اَيُّهَا الْقُوّامُ في الْبَرِيَّةِ بِالْقِسْطِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ أهل الصَّفْوَةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ آلَ رَسُولِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ أهل النَّجْوى، اَشْهَدُ اَنَّكُمْ قَدْ بَلَّغْتُمْ وَنَصَحْتُمْ وَصَبَرْتُمْ في ذاتِ اللهِ، وَكُذِّبْتُمْ وَاُسيءَ اِلَيْكُمْ فَغَفَرْتُمْ، وَاَشْهَدُ اَنَّكُمُ الاَْئِمَّةُ الرّاشِدُونَ الْمُهْتَدُونَ، وَاَنَّ طاعَتَكُمْ مَفْرُوضَةٌ، وَاَنَّ قَوْلَكُمُ الصِّدْقُ، وَاَنَّكُمْ دَعْوَتُمْ فَلَمْ تُجابُوا، وَاَمَرْتُمْ فَلَمْ تُطاعُوا، وَاَنَّكُمْ دَعائِمُ الدّينِ وَاَرْكانُ الاَْرْضِ، لَمْ تَزالُوا بِعَيْنِ اللهِ يَنْسَخُكُمْ مِنْ اَصْلابِ كُلِّ مُطَّهَر، وَيَنْقُلُكُمْ مِنْ اَرْحامِ الْمُطَهَّراتِ، لَمْ تُدَنِّسْكُمُ الْجاهِلِيَّةُ الْجَهْلاءُ، وَلَمْ تَشْرَكْ فيكُمْ فِتَنُ الاَْهْواءِ، طِبْتُمْ وَطابَ مَنْبَتُكُمْ، مَنَّ بِكُمْ عَلَيْنا دَيّانُ الدّينِ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ، وَجَعَلَ صَلَاتَنا عَلَيْكُمْ رَحْمَةً لَنا وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا، اِذِ اخْتارَكُمُ اللهُ لَنا، وَطَيَّبَ خَلْقَنا بِما مَنَّ عَلَيْنا مِنْ وِلايَتِكُمْ، وَكُنّا عِنْدَهُ مُسَمِّينَ بِعِلْمِكُمْ، مُعْتَرِفينَ بِتَصْديقِنا اِيّاكُمْ، وَهذا مَقامُ مَنْ اَسْرَفَ وَاَخْطَأ وَاسْتَكانَ وَاَقَرَّ بِما جَنى وَرَجا بِمَقامِهِ الْخَلاصَ، وَاَنْ يَسْتَنْقِذَهُ بِكُمْ مُسْتَنْقِذُ الْهَلْكى مِنَ الرَّدى، فَكُونُوا لي شُفَعاءَ، فَقَدْ وَفَدْتُ اِلَيْكُمْ اِذْ رَغِبَ عَنْكُمْ أهل الدُّنْيا، وَاتَّخَذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها (ثم ارفع رأسك الى السماء وقل:) يا مَنْ هُوَ قائِمٌ لا يَسْهُو، وَدائِمٌ لا يَلْهُو، وَمُحيطٌ بِكُلِّ

شَىْء لَكَ الْمَنُّ بِما وَفَّقْتَني وَعَرَّفْتَني بِما اَقَمْتَني عَلَيْهِ، اِذْ صَدَّ عَنْهُ عِبادُكَ، وَجَهِلُوا مَعْرِفَتَهُ، وَاسْتَخَفُّوا بِحَقِّهِ، وَمالُوا اِلى سِواهُ، فَكانَتِ الْمِنَّةُ مِنْكَ عَلَيَّ مَعَ اَقْوام خَصَصْتَهُمْ بِما خَصَصْتَني بِهِ، فلَكَ الْحَمْدُ اِذْ كُنْتُ عِنْدَكَ في مَقامي هذا مَذْكُوراً مَكْتُوباً، فَلا تَحْرِمْني ما رَجَوْتُ، وَلا تُخَيِّبْني فيـما دَعَوْتُ، بِحُرْمَةِ مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد.

شيعتنا .. كونوا زيناً ولا تكونوا شَينا:ً

قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (يا بن جندب لو أن شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة ولأظلّهم الغمام ولأشرقوا نهاراً ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ولما سألوا الله شيئاً إلا أعطاهم)[1].

قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): (يا حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يُحسن القرآن عُلِّمَ في قبره ليرفع الله به درجته، فإن درجات الجنة على قدر عدد آيات القرآن فيقال لقارئ القرآن إقرأ وارقَ)[2].

قال أبو الصباح الكناني لأبي عبد الله (عليه السلام): ((ما نلقى من الناس فيك؟! فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وما الذي تلقى من الناس فيّ؟ فقال: لا يزال يكون بيننا وبين الرجل الكلام، فيقول: جعفري خبيث، فقال: يعيّركم الناس بيّ؟ فقال له أبو الصباح: نعم، قال: فقال: ما أقلّ والله من يتبع جعفرا منكم، إنما أصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، فهؤلاء أصحابي)).

عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ((عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الخلق وحسن الجوار وكونوا دعادة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم وكونوا زينا ولا تكونوا شينا وعليك بطول الركوع والسجود، فإن أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاع وعصيت وسجد وأبيت))[3].

عن علي بن أبي زيد، عن أبيه قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عيسى بن عبد الله القمي فرحب به وقرب من مجلسه، ثم قال: يا عيسى بن عبد الله ليس منا - ولا كرامة - من كان في مصر فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه[4].

عن زيد الشحام قال، قال لي أبو عبد الله: ((إقرأ على من ترى أنه يطيعني منهم فيأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عز وجل والورع في دينكم والاجتهاد لله وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد (صلى الله عليه وآله): أدوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برا وفاجرا. فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صِلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسّن خلقه مع الناس قيل: «هذا جعفري» فيسرّني ذلك ويدخل عليّ منه السرور، وقيل «هذا أدب جعفر»، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: «هذا أدب جعفر»، فو الله لحدثني أبي (عليه السلام) إن الرجل كأن يكون في القبيلة من شيعة علي (عليه السلام) فيكون زينَها، آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه فتقول من مثل فلان إنه لآدانا للأمانة وأصدقنا للحديث))[5].

 

لتحميل الملف اضغط هنا


[1] تحف العقول ص302.

[2] الكافي ج2 ص 606.

[3] الكافي ج2 ص77.

[4] الكافي ج2 ص78.

[5] الكافي ج2 ص636.