من الثابت أن القرآن الكريم فيه آيات محكمات وأخر متشابهات، والمتشابه تعني أنها لا يؤخذ منطوقها اللفظي وما ظهر من معناه الظاهري، بل يراجع الإنسان فيه أهل الذكر والراسخين في العلم. فمثلاً إن قوله تعالى عن أحوال يوم القيامة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[1]، لا تعني أن الوجوه سوف تنظر إلى الله في ذلك اليوم، كما اعتقده بعض المسلمين من المذاهب الأخرى!.. فالوجوه إلى (رحمة) ربها ناظرة يوم القيامة، وليست إلى ذات الله سبحانه، إذ هو ليس بجسم أبداً ليُرى.
ومثل هذه الآية قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً)[2]. لا يعني مجيء الرب سبحانه والملائكة على هيئة الأجسام المادية أبداً.. فقد قال الله تعالى عن نفسه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)[3].
بهذه المناسبة قيل: إن الإمام السيد محسن الحكيم (قدس سره) لما ورد إلى حج بيت الله الحرام جاءه شيخ ضرير (معروف) ممن يعتقد بظاهر القرآن الحكيم، ولا يؤمن بتأويل الآيات التي لا يستقيم تفسيرها إلا بذلك، فبعد مجاملات ودّية بين الطرفين، فتح الشيخ الضرير بحثاً حول الموضوع.. فدار بين الشيخ والإمام الحكيم (قدس سره) نقاش علمي جيد، هو هل يجب الاقتصار والجمود على ظاهر الألفاظ القرآنية، أم أن لها باطناً لا يفهمه إلا المتدبر العاقل، ومن يتمسك بنهج أهل بيت الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)؟. أصرّ الشيخ (الأعمى) على رأيه بعدم جواز التأويل، وأن الألفاظ القرآنية هي ما نفهمه بظاهرها، فالله تعالى - حسب رأي الشيخ - سوف يُرى بالعين يوم القيامة (ونحن نقول: نعوذ بالله، تعالى عما يصفون).
ولما رآه الإمام الحكيم رحمه الله متعصباً على رأيه، ما كان منه إلا أن يقول للشيخ الأعمى: إذا كان ظاهر اللفظ ولا غير إذن ما قولك في الآية الشريفة: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)[4]. فسكت الشيخ ولم ينطق بكلمة.. وهكذا بُهَتَ الذي عَمِي.