لعلكم تتقون

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[1].

تميزت الأمة الإسلامية عن الأمم الأخرى بالكثير من الخصائص والمزايا، ومن بين تلك الخصائص والمزايا هي تشرفها وتميّزها بتكليف الصيام بهذا العدد وبهذه الكيفية الخاصة، وجعله فريضة من الفرائض المهمة في المنظومة الإسلامية.

ولا شكَّ أن جميع التشريعات الإلهية -الإلزامية كالوجوب والحرمة، وغير الإلزامية كالاستحباب والكراهة- مشتملة على -مصالح ومفاسد-، وعلى أساسها يُشرّع المولى تعالى الأحكام الشرعية الإلزامية وغيرها، وهذه -المصالح والمفاسد- تارةً ينكشف بعضها أو كلها للإنسان من خلال الآيات والروايات، وتارةً أخرى تبقى في طيِّ الخفاء والكتمان، وهذا متروك للمولى تعالى بإظهاره أو إخفائه، ومن بين تلك التشريعات الإلهية التي انكشفت لنا بعض مصالحها هي فريضة الصوم، فقد جاء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[2]، وذِكْرُ التقوى كتعليل لتشريع الصيام ينبئ عن أنها هي المصلحة الأهم من تشريع الصيام، وذلك لأن التقوى هي قطب الرحى التي تدور عليها قيمة الإنسان والعمل، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)[3]، وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأْرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[4]، وقال تعالى أيضاً: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[5]، فالتقوى إذن هي المحصِّلُ لجميع الثمرات التي ذكرتها الآيات المتقدمة، وهي التي تفتح الآفاق مع الله عز وجل، وتمدُّ جسور العلاقة مع السماء، وهي التي ترسم طريق الخلاص في الدنيا والآخرة (والعاقبة للمتقين).

فهيّا بنا أيها المؤمنون الكرام لتحقيق ذلك الصوم بشرطه وشروطه، ونخلص نياتنا فيه، ونجتنب فيه المحارم والآثام، ونغضُّ البصر، ونحفظ الفرج، ونصون النفس من كل المهلكات، ونستثمر أوقاتنا التي نقضيها في تصفّح مواقع التواصل الاِجتماعي بالتواصل مع القرآن والأدعية والجلسات المثمرة والنافعة، ونقوم لله تعالى مثنى وفرادى؛ لنجعل من شهر رمضان في هذا العام أفضل شهر مرَّ علينا في أعمارنا، والله تعالى وليُّ التوفيق والسداد.

مجلة اليقين العدد (38)

 


[1] البقرة: 183.

[2] البقرة: 183.

[3] الطلاق: 3-4.

[4] الأعراف: 97.

[5] الحجرات: 14.