ورد في أخبار السقيفة أن الأنصار ادعَوا لأنفسهم الإمامةَ مقابل المهاجرين دون أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولما بلغه (عليه السلام) ذلك قال: «فَهَلاَّ احتَجَجتُم عَلَيهِم: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ(صلى الله عليه وآله) وَصَّى بِأَن يُحسَنَ إلى مُحسِنِهم، وَيُتَجَاوَزَ عَن مُسِيئِهِم؟
قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟
فقال8: لَو كَانَتِ الإمارة فِيهم لَم تَكُنِ الوَصِيَّةُ بِهِم»[1].
هذا الاحتجاج الذي صدر من أمير المؤمنين(عليه السلام) رداً على الأنصار جعله البعض مادة قياسٍ خاطئٍ وقال: النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً أوصى بأهل البيت(عليهم السلام) فقال: «اُذَكِّرُكُمُ الله َ في أهلِ بَيتي»[2]، يقول صاحب القياس: إن النبي(صلى الله عليه وآله) أيضاً أوصى بأهل البيت(عليهم السلام) فنحتج بنفس الحجة أن لو كانت الإمامة لهم لم تكن الوصية بهم، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للأنصار.
نقول: هذا القياس غير صحيح ووصية النبي (صلى الله عليه وآله) بالأنصار تختلف عن وصيته بأهل البيت (عليهم السلام) من عدة وجوه:
الأول: لأنه (صلى الله عليه وآله) لم ينصّب الأنصار ولاةً للأمة، ولا هداةً، ثم أوصى بهم.
أما أهل البيت (عليهم السلام)، فقد نصّب منهم علياً (عليه السلام) إماماً في آية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[3] وفي آيات أخرى.
وقال (صلى الله عليه وآله): (عليّ وليّكم بعدي)[4].
ونصّب الحسنين (عليهما السلام) إمامين أيضاً بقوله: (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (أو ابناي هذان) إمامانِ قاما اوْ قَعَدا)[5].
وفي أهل البيت (عليهم السلام) قال: «مَثَلُ أهَلِ بَيْتِى كَمَثَلِ سَفِيْنَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَها نَجى ومَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»[6]. ثم أوصى بهم بما هم حائزين على هذه المناصب. أن يتمسكوا بهم، ويتعلموا منهم، وأن لا يتقدموهم الخ.
ولم يكن هذا هو حال الأنصار.
الثاني: إن الوصية بأهل بيته (صلى الله عليه وآله) لم تكن بالتجاوز عن مسيئهم، لأنهم مطهّرون من ذلك بنص القرآن الكريم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[7].
فلا تصدر منهم إساءة ليوصي بالعفو عنها.
أما الأنصار فيمكن أن تصدر الإساءة منهم، فيحتاجون إلى أن يوصي النبي (صلى الله عليه وآله) بالعفو عن مسيئِهم.
ولأجل ذلك عبّر بعبارة: «اُذَكِّرُكُمُ الله في أهلِ بَيتي». بمعنى الإحسان إليهم، ولزوم رعاية حقّهم، ومقامهم، فهو يوصي بعدم الإساءة إليهم، لا أنه يوصي بالتجاوز عن مسيئهم.
ثالثاً: يظهر جليّاً من الحديث -عند المراجعة - المعنى الذي ذكرناه، أنظر قول النبي (صلى الله عليه وآله): «...اني تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا. فحثّ على كتاب الله ورغب فيه، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي- ثلاثا..»[8].
إذاً اتضح الفرق بين الوصية بالأنصار والوصية بأهل البيت (عليهم السلام) فالنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد أوصى برعاية مقام وحق أهل بيته (عليهم السلام)، وعدم التقصير بهم، فضلاً عن عدم الإساءة إليهم.
مجلة ولاء الشباب العدد (28)
[1] شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي: ج6، ص172.
[2] إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نور الله شوشتری: ج33، ص123
[3] المائدة: 55.
[4]بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج33، ص53.
[5] مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج ٣، ص١٦٣.
[6] إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نورالله شوشتری: ج1، ص54.
[7] الأحزاب: 33.
[8] إحقاق الحق وإزهاق الباطل، نور الله شوشتری: ج24، ص178.