قال أبو حنيفة لابي جعفر مؤمن الطاق: ما تقول في الطلاق الثلاث؟ قال: أعلى خلاف الكتاب والسنة؟ قال: نعم، قال أبو جعفر: لا يجوز ذلك، قال أبو حنيفة: ولم لا يجوز ذلك؟ قال: لان التزويج عقد عقد بالطاعة فلا يحل بالمعصية، وإذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية، وفي إجازة ذلك طعن على الله عزوجل فيما أمر به وعلى رسوله فيما سَنَّ، لأنه إذا كان العمل بخلافهما فلا معنى لهما، وفي قولنا من شَذَّ عنهما رد إليهما وهو صاغر.
قال أبو حنيفة: قد جَوَّزَ العلماء ذلك، قال أبو جعفر: ليس العلماء الذين جَوَّزوا للعبد العمل بالمعصية، واستعمال سنة الشيطان في دين الله، ولا عالم أكبر من الكتاب والسنة فَلِمَ تُجوّزون للعبد الجمع بين ما فرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد ولا تجوزون له الجمع بين ما فَرّق الله من الصلوات الخمس؟ وفي تجويز ذلك تعطيل الكتاب وهدم السُّنَّة، وقد قال الله جلّ وعزّ: (ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه).
ما تقول يا أبا حنيفة في رجل قال: إنه طالق امرأته على سُنَّة الشيطان؟ أيجوز له ذلك الطلاق؟ قال أبو حنيفة: فقد خالف السُّنَّة، وبانت منه امرأته، وعصى ربه.
قال أبو جعفر: فهو كما قلنا، إذا خالف سنة الله عمل بسُنَّة الشيطان، ومن أمضى بسُنّته فهو على ملته ليس له في دين الله نصيب.
قال أبو حنيفة: هذا عمر بن الخطاب وهو من أفضل أئمة المسلمين قال: إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه، وأجزنا لكم ما استعجلتموه.
قال أبو جعفر: إن عمر كان لا يعرف أحكام الدين، قال أبو حنيفة: وكيف ذلك ؟ قال أبو جعفر: ما أقول فيه ما تنكره، أما أول ذلك فإنه قال: لا يصلي الجنب حتى يجد الماء ولو سنة ! والأُمَّة على خلاف ذلك، وأتاه أبو كيف العائذي فقال: يا أمير المؤمنين إني غبتُ فقدِمْتُ وقد تزوجتْ امرأتي، فقال: إن كان قد دخل بها فهو أحق بها، وإن لم يكن دخل بها فأنت أولى بها، وهذا حكم لا يُعرف والأُمّةُ على خلافه[1].