اهتم أبناء بغداد بإنشاء المساجد والجوامع اهتماما كبيراً ؛ذلك لأنها مراكز للعبادة والصلاة وذكر الله، ولذلك أَمَّهَا الكثير من الناس ومن مختلف الأقوام والشعوب وانصهر هؤلاء في دين الإسلام، وكانت حركة إنشاء الجوامع والمساجد مستمرة، وكلما مضى عليها الزمن إلا وزادت في البناء من الجوامع لازدياد الحاجة ولازدياد عدد سكانها وتوسع مساحتها، واليوم اندثر البعض منها وبقيت آثار البعض وأضيفت أخرى، واختلف طراز البناء والمواد المستخدمة، وكانت قلة المواصلات وازدياد عدد السكان سبباً في بناء العديد من الجوامع بشكل متقارب وفي المنطقة الواحدة أكثر من جامع.
جامع القمرية:
هو من الجوامع القديمة جداً في بغداد، ويقع في منطقة سوق الجديد على ضفاف نهر دجله مقابل سراي الحكومة، تم بناؤه في عام 626هـ 1228م . واسم (قمرية) هو لمرأة من عائلة الناصر لدين الله العباسي، أو قد تكون التسمية مأخوذة من اسم المنطقة.
المساحة والبناء:
شيد وبني جامع القمرية في عهد الخليفة العباسي المستنصر بالله في عام 626هـ/ 1228م، ويقع هذا المسجد الجامع في جانب الكرخ من مدينة بغداد، وعلى ضفاف نهر دجلة، وتبلغ مساحته 2000 م2، ويحوي الحرم مصلى واسع يسع أكثر من 400 مصل، وبني فيه منارة مئذنة من الآجر والجص، ويعلو بنيانه ستة قباب، رفيعة السمك.
يقول محمود شكري الآلوسي: إن مسجد القمرية هو أصح مساجد بغداد قبلة بسبب مكانه الجغرافي.
إعادة بناء الجامع:
توالت المحن والنكبات، واشتركت الطبيعة الغضوب حيث فاض دجلة فيضاناً مريعاً عام 1225م وأغرق كثيراً من أنحاء بغداد، وفي عام 1256م فاض دجلة كرة أخرى فيضاناً اشد قسوة فأغرقت مياهه (مسناة) هذا الجامع الرائعة. وما ان حل عام 1258م حتى انطوت آخر صفحة من صفحات أعظم امبراطورية في العالم القديم وتدفقت جحافل (هولاكو) من المغول المتعطشين للدم يكتسحون كل شيء ويدمرون كل شيء، وأعلنت بغداد مدينة مفتوحة يعيث الغزاة في أنحائها فساداً، ويشيعون فيها الدمار والبؤس ويمزقون ببربريتهم أعظم تراث الفكر الإنساني وأجمل إبداعاته.
ومكث الخراب في جامع (القمرية) بضعة عشر عاماً حتى عمد (علاء الملك الجويني) أحد ولاة المغول الذين اعتنقوا الإسلام إلى العناية به فَعمَّره شيئاً ما وكان ذلك عام 1269م.
وبمرور الزمن أختل البناء وتعرّض للسقوط وتضعضعت منهُ القواعد والأركان لولا أن تداركهُ سعيد باشا والي بغداد في عهد الدولة العثمانية، فأعاد إعمارهُ وبنائهُ بأحسن مما كان عليهِ.
وتمر الأعوام ويحتاج الجامع إلى تعمير آخر لا يلبث أن يقوم به الوالي إبراهيم باشا عام 1682م وهو غير الوالي (مقتول إبراهيم باشا)-.
وفي عام 1719م أجرت السيدة عائشة بنت احمد باشا والي بغداد إصلاحات أخرى على الجامع المذكور لا يزال من آثارها لوح رخامي يحمل تأريخ الإصلاح ذاك.
وجدد بناؤه آخر مرة في عام 1400 هـ/1980م، من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
المصدر: بيوت المتقين (70) شهر ربيع الأول 1441هـ