تتبع بعض الأقلام المصنفة على الفكر الإسلامي سياسة التحايل على النصوص الدينية تارة، وعلى الوقائع التأريخية تارة أخرى، وذلك بسبب عدم تقبل فكرة عصمة أهل البيت(عليهم السلام)، باعتبار أن لوازم ثبوتها تهدم الكثير من المفاهيم التي تبتني عليها عقائد هؤلاء، فانزلقت أقلامهم وأفكارهم إلى تأويل واضح الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المتعلقة بعصمة أهل البيت(عليهم السلام).
ومن أوضح الآيات التي تثبت العصمة لهم والتي حاول هؤلاء إحداث الإجمال في دلالتها على أهل البيت خاصة، آية التطهير وهي قول الله عز وجل: (... إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[1]، فقد حاول أن يزيد عدد شخصيات أهل البيت(عليهم السلام) في هذه الآية بإدخال نساء النبي(صلى الله عليه وآله) ضمنهم، وهذه المحاولة خالية من العلم والدراية، حيث أنها مخالفة لما أجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة من أنّها نزلت في أصحاب الكساء الخمسة(عليهم السلام) وهم:
1. النبي محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله).
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام).
3. السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام).
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام).
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب(عليهما السلام).
ففي صحيح مسلم بالإسناد إلى صفية بنت شيبة قالت: خرج النبي(صلى الله عليه وآله) غداة وعليه مِرْط (كساءٌ من خزٍّ أَو صوف أو كَتَّان يُؤتَزر به) مرحّل (عليه تصاوير الرحال) من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: (... إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[2].
و في مسند أحمد بن حنبل، عن أم سلمة أن النبي(صلى الله عليه وآله) كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة (قدر) فيها خزيرة (لَحْمٌ يُقْطَعُ ثُمَّ يُطْبَخُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ وَمِلْحٍ، ثم يوضع عَلَيْهِ الدَّقيقُ وَيُعصِدَ بِهِ) فدخلت بها عليه فقال لها: أدعي زوجك وابنيك، قالت: فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري ـ قالت ـ وأنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عَزَّ وجَلَّ هذه الآية: (... إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قالت فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثم قال:
«اللهم إن هؤلاء أهلُ بيتي وخاصتي فأذهِب عنهم الرجسَ، وطَهِّرهم تطهيراً».
قالت: فأدخلتُ رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟
قال: «إنك إلى خير إنك إلى خير»[3]
وهذا المعنى وارد عند المسلمين في كتب كثيرة، وعليه فإن اختصاص آية التطهير بالخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام) يطرد احتمال كون أن الآية نازلة بحق نساء النبي(صلى الله عليه وآله) دون أهل البيت(عليهم السلام)، ويدفع دلالتها على أنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدم ذكرهنّ في سبب النزول بأي نحو من النحوين، وعدم إدخال النبيّ(صلى الله عليه وآله) لأمّ سلمة مع طلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها ومنزلتها عند أهل البيت(عليهم السلام).
ومن تشبث بسياق الآية، وأنه يتعلق بنساء النبي(صلى الله عليه وآله)، فإن السياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.
وبهذا ثبت أن شخصيات آية التطهير هم أهل الكساء(عليهم السلام) بالخصوص دون نساء النبي(صلى الله عليه وآله).
ولتتمة المسالة نحاول بيان أمور أخرى تتعلق بآية التطهير المباركة:
1. إنها تدلّ على عصمة أهل البيت(عليهم السلام)، فالمقصود من الرجس مطلق الذنوب والآثام وكل نقص، والتطهير هو التنزيه والتزكية من كل عيب مشين.
2. إن دليل انحصار التطهير بأهل البيت(عليهم السلام) دون غيرهم أن الآية صدّرت بأداة الحصر (إنما).
3. إن تخصيص أصحاب الكساء(عليهم السلام) دون غيرهم بالتطهير أمر يحكي عن إعداد إلهي هادف لبيان الاستمرار في حركة الرسالة، وهو وجود متمثل بهؤلاء لا غير، وذلك لامتلاكهم جميع الخصائص والكفاءات التي تؤهلهم لذلك .
مجلة ولاء الشباب العدد (35)