ولدت السيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) في المدينة المنورة عام (6هـ)، ومن أبوّة أمير المؤمنين(عليه السلام) تجلببت صفات الكمال البشري، فنشأت تشم عطر النبوة، وتتلقن دروس الوحي منذ صغرها، وتتغذى بتعاليم القرآن، فكبرت لتمثل نموذجاً للإيمان، ومثالاً للعقيدة واليقين، وقوة عليا للمرأة المؤمنة.
رافقت أم كلثوم سيد الشهداء في مسيرته حتى يوم شهادته(عليه السلام)، وصارت إحدى سبايا آل محمد(عليهم السلام) في رحلة الحزن إلى الشام، وكان لوجودها أثر كبير في الرأي العام، فسجّلت لها دوراً كبيراً في بيان معالم الثورة الحسينية، وإدانة جرائم الأمويين بحقهم، وذلك في خطبتها المشهورة في الكوفة، تلك التي قالت فيها: (يا أهلَ الكوفَةِ، سوءً لَكُم، ما لَكُم خَذَلتُم حُسَيناً وقَتَلتُموهُ، وَانتَهَبتُم أموالَهُ ووَرِثتُموهُ، وسَبَيتُم نِساءَهُ ونَكَبتُموهُ؟ ... أتَدرونَ أيُّ دَواهٍ دَهَتكُم؟ وأيَّ وِزرٍ عَلى ظُهورِكُم حَمَلتُم؟ وأيَّ دِماءٍ سَفَكتُموها؟ وأيَّ كَريمَةٍ اهتَضَمتُموها؟ وأيَّ صِبيَةٍ سَلَبتُموها؟ وأيَّ أموالٍ نَهبَتُموها؟ قَتَلتُم خَيرَ رِجالاتٍ بَعدَ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله)، ونُزِعَتِ الرَّحمَةُ مِن قُلوبِكُم، ألا إنَّ حِزبَ اللهِ ِ هُمُ الغالِبونَ، وحِزبَ الشَّيطانِ هُمُ الخاسِرونَ. ثُمَّ قالَت:
قَتَلتُم أخي صَبراً فَوَيلٌ لِأُمِّكُمُ، سَتُجزَونَ ناراً حَرُّها يَتَوَقَّدُ
سَفَكتُم دِماءً حَرَّمَ اللهُ سَفكَها وحَرَّمَهَا القُرآنُ ثُمَّ مُحَمَّدُ)[1].
لم يطل عمر السيدة أم كلثوم بنت أمير المؤمنين(عليها السلام) إلا أربعة أشهر بعد واقعة الطف واستشهاد أخوتها وبني عمومتها وأهل بيتها، فقد توفيت في الواحد والعشرين من شهر جمادى الآخرة، بعد الفاجعة الأليمة التي تركت في قلبها جرحاً لا يشفى وندباً لا يزول وقرحاً لا يندمل.
مجلة ولاء الشباب العدد (58)