من النجوم التي لمعت في سماء العقيدة والإيمان، والذي عُرف بصلابة الإيمان وقوة العقيدة، هو العالم الجليل أبو هاشم الجعفري (رحمه الله)، وجاء لقب الجعفري نسبة إلى السلالة الطيبة المنتهية إلى جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه).
اسمه: داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، يُكّنى بأبي هاشم، من أهل بغداد، جليل القدر عظيم المنزلة عند الائمة (عليهم السلام)، وقد أدرك الإمام الرِّضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام صاحب الأمر (عليهم السلام)، وقد رَوَى عنهم كلهم (عليهم السلام)، وله أخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم (عليهم السلام)، وكان مقدماً عند السلطان[1].
لقد كان مُكّرماً لدى كبار الدولة بحيث إنه بعث في 251هـ خلال ثورة الكوفة بقيادة الحسين بن محمد العلوي كوسيط للتفاوض مع الحسين من قبل مزاحم ابن خاقان عامل العباسيين، وقد وقع في إسناد جملة من الروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ ثلاثة وثلاثين مورداً، وله كتاب فيه روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)) يرويه عنه أحمد بن أبي عبد الله البرقي.
كان أبو هاشم أحد كبار العلماء، محدِّثاً، شاعراً، مهيباً، شديد العارضة (أي: ذو جلد وصرامة وقدرة على الكلام وذو بديهة ورأي جيد)،ذا نسك وزهادة.
كان(رضوان الله عليه) معارضاً للحكم العباسي، موالياً لأهل البيت(عليهم السلام)، وفي سنة 252ﻫ، نُقل من بغداد إلى سامرّاء وسجن فيها، ومن قصصه التي يرويها على لسانه في السجن أنه قال: (كنتُ في الحَبْسِ المعروفِ بحبسِ خَشيشٍ في الجَوْسَقِ الأحْمَرِ أنا والحسنُ بنُ محمّدٍ العَقيقيّ ومحمّدُ ابنُ إبراهيمَ العَمريّ وفلانٌوفلانٌ، إذ دَخلَ علَينا أبو محمّدٍ الحسنُ وأخوهُ جعفرٌ، فحَفَفْنا بهِ،وكان المُتَوَلّي لِحَبْسهِ صالحُ بنُ وصِيفٍ،وكانَ مَعنا في الحَبسِ رجُلٌ جُمَحيٌّ يقولُ: إنّه عَلَويٌّ،قالَ: فالْتَفَتَ أبو محمّدٍ فقالَ: لولا أنّ فيكُم مَن ليسَ مِنكُم لأعْلَمْتُكُم مَتى يُفَرَّجُ عنكُم،وأومَأَ إلَى الجُمَحيِّ أنْ يَخْرُجَ فخَرَجَ. فقالَ أبو محمّدٍ: هذا الرّجُلُ لَيس مِنكُم فاحْذَروهُ، فإنّ في ثِيابِهِ قِصّةً قد كَتَبها إلَى السُّلطانِ يُخبِرُهُ بما تقَولونَ فيهِ، فقامَ بعضُهُم ففَتّشَ ثِيابَهُ، فوَجدَ فيها القِصّةَ يَذكُرُنا فيها بكُلِّ عظِيمةٍ)[2].
تُوفّي (رضوان الله عليه) عام 261ﻫ،ودُفن في بغداد أو سامراء.
مجلة اليقين العدد (46)، الصفحة (11).