الإمامة لا تستلزم النبوة

الإمامة أصل من أصول الدين عند الشيعة الإثني عشرية، وإن الإمامة منصب إلهي وظيفتها الحفاظ على الرسالة، وتطبيق أحكام الله في الأرض، وثمة روايات ذكرت الأئمة (عليهم السلام) بأسمائهم، على أن مرحلة الإمامة تبدأ بعد مرحلة النبوة، أي أنه بوجود وحضور النبي (صلى الله عليه وآله) يكون الإمام تابع له، فلا يتصرف إلا بإذنه ورضاه.

هذا ما عليه الشيعة الإثني عشرية، وهم يفصلون بين منصب النبوة ومنصب الإمامة، أي يمكن أن يكون إمام وهو ليس بنبي، ويمكن أن يكون نبي وهو ليس إماماً، ويمكن اجتماعهما كذلك.

وربما توهم البعض من قراءة بعض الروايات عن الأئمة (عليهم السلام) أن الإمامة مرحلة بعد النبوة، أي لا يمكن أن يكون الشخص إماماً إلا بعد أن يكون نبياً،ومن تلك الروايات رواية عن زيد الشحّام، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق(عليه السلام) يقول: (إنّ الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيّاً، وإنّ الله اتخذه نبيّاً قبل أن يتخذه رسولاً، وإنّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلمّا جمع له الأشياء، قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)، قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قالَ:(وَمِن ذُرِّيَّتِي ) ( قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ )، قال: لا يكون السفيه إمام التقي)[1].

المتوهم نظر إلى قوله (عليه السلام) في آخر الحديث: (فلمّا جمع له الأشياء قال (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا)) ففهم أن جعل الإمامة مترتب على جمع الأشياء- عبد، نبي، رسول، خليل - هذه الأشياء التي جمعها له وبالتدريج، فأوّل ما يكون عبداً، ثمّ يجعله الله نبيّاً، ثمّ يجعله الله رسولاً، ثمّ يجعله الله خليلاً، ثمّ يجعله الله إماماً فأسس المتوهم قاعدة في نفسه مفادها أن الشخص لا يمكن أن يكون إماماً إلا بعد حصوله على جميع هذه الأشياء. 

ومن هذا الوهم صاغ ذهن المتوهم إشكالاً على أئمة الشيعة (عليهم السلام) وهو أنهم (عليهم السلام) لم تحصل لهم هذه الأطوار قبل حصول الإمامة، وإن الوصف التدريجي لمنصب الإمامة المذكور في خبر الإمام الصادق (عليه السلام) لا ينطبق على الأئمة الإثني عشر المعصومين (عليهم السلام)، فلا أحد من الأئمة المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام) كان خليلاً، فضلاً عن كونه رسولاً أو نبيّاً حتّى يكون إماماً، ولا حتّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهذه الشروط غير متوفرة في المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام).

ولو تعاملنا مع هذا الخبر المبارك بطريقة موضوعية وعلمية لا نجد في كلام مولانا الصادق (عليه السلام) ما يدل على ترتّب الإمامة على كون الشخص نبيا أو رسولاً، بل لا تدل إلا على أن النبي إبراهيم (عليهما السلام) جُعل إماماً بعد أن جُعل نبياً ورسولاً، أما أن الرسالة والنبوة هما شرطان في جعل الإمامة، وأنّ الإمامة لا تحصل إلاّ بحصول النبوّة والرسالة والخلّة فلا دلالة عليه من الرواية.

بل غاية ما يستفاد من قول الإمام الصادق (عليه السلام) هو أنّ إمامة النبي إبراهيم (عليه السلام) قد حصلت بعد تلك المنازل لإبراهيم (عليه السلام) لخصوصية أو حكمة اقتضت ذلك، وهذا لا يعني أن الإمامة لا تحصل بدونها، فلا ارتباط بين الأمرين، وعليه فيمكن تصور وحصول إمامة بلا نبوّة ولا رسالة، وهذا ما حصل فعلاً في أئمتنا (عليهم السلام).

وفي الختام نذكر مثالاً توضيحياً لهذه المسألة، وهو أنا لو قلنا إن زيداً كان جندياً ثم صار عريفاً ثم صار ضابطاً ثم صار رئيساً للضباط فصار من المقربين للملك، فهذا لا يعني إن التقرب عند الملك محصورة بهذا التسلسل الوظيفي، فقد يُقرّب الملك شخصاً آخر لسبب آخر غير هذا التدريج في المناصب، (كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)[2]

مجلة اليقين العدد (45)

 


[1] الكافي،الشيخ الكليني: ج1، ص175.

[2] الروم: 28.