من وصايا آية العظمى سماحة السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) إلى الشباب المؤمن/ وصية 1

السلام عليكم ورحمة لله وبركاته......

    أمّا بعد فإنّني أوصي الشباب الأعزاء- الذين يعنيني من أمرهم ما يعنيني من أمر نفسي وأهلي - بثمان وصايا، هي تمام السعادة في هذه الحياة وما بعدها، وهي خلاصة رسائل لله سبحانه إلى خلقه، وعظة الحكماء والصالحين من عباده، وما أفضت إليه تجاربي وانتهى إليه علمي:

السعي في إتقان مهنة وكسب تخصّص

قال دام ظلّه: (السعي في إتقان مهنة وكسب تخصّص، وإجهاد النفس فيه، والكدح لأجله، فإنّ فيه بركات كثيرة يشغل به قسماً من وقته، وينفق به على نفسه وعائلته، وينفع به مجتمعه، ويستعين به على فعل الخيرات، ويكتسب به التجارب التي تصقل عقله وتزيد خبرته، ويطيب به ماله، فإنّ المال كلّما كان التعب في تحصيله أكثر كان أكثر طيباً وبركة، كما أنّ لله سبحانه وتعالى يحبّ الإنسان الكادح الذي يجهد نفسه بالكسب والعمل، ويبغض العاطل والمهمل ممّن يكون كلاًّ على غيره، أو يقضي أوقاته باللهو واللعب، فلا ينقضينَّ شباب أحدكم من دون إتقان مهنة أو تخصّصٍ فإنّ لله سبحانه جعل في الشباب طاقاتٍ نفسيّةٍ و جسديّةٍ ليكوّن المرء من خلالها رأس مالٍ لحياته، فلا يضيعنّ بالتلهّي والإهمال) انتهى كلامه دام ظله

من أهم القضايا التي تخص جيل الشباب، قضية اختيار العمل، والحصول على مهنة ما، فالاشتغال وتحمل المسؤولية ضرورة من ضروريات الحياة الحرة الكريمة في المجتمعات البشرية، ومن يطمح لينال نصيباً من مزايا المدنية ويأكل لقمته بعز وكرامة عليه أن يكون عضواً نافعاً في المجتمع، ويأخذ على عاتقه عملاً في حدود كفاءته وقدرته، لينتفع من نتاج عمله هذا الآخرون مثلما ينتفع هو من نتاج عمل الغير. أمّا العاطل الذي يتهرّب من تحمّل المسؤولية والقيام بعمل ما؛ ويعيش كَلاً على الناس، ويرتزق كالمتطفل على أتعاب الآخرين، فهو مذموم في كلّ المجتمعات البشرية، ولا تؤدي به البطالة إلّا إلى طريق الفساد الأخلاقي والانحراف عن جادة الصواب.

أهمية العمل في الإسلام

إن العمل هو عنصر مهم من عناصر البناء، يتكفل للمسلم بالعز والكرامة، مما يؤثّر في السعادة المادية والمعنوية للإنسان، وقد حثّ الرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من بعده المسلمين على العمل والحركة المشروعة، وجاءت في الروايات الإسلامية أهمية العمل في سبيل تأمين لقمة العيش له ولأسرته وعياله في مصاف التضحية في سبيل لله والجهاد، فكانوا عليهم أفضل الصلاة والسلام يعملون ويدْعُون المسلمين إلى السعي والعمل.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل لله)[1]

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): (إنّ الذي يطلُبُ من فضل يكّفّ به عياله أعظمُ أجراً من المجاهد في سبيل لله)[2].

تحمل الأذى في طلب المعيشة

عن أبي عمرو الشيباني قال: (رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وبيده مسحاة وعليه إزار غليظ، يعمل في حائط له، والعرق يتصاب عن ظهره، فقلت جعلت فداك اعطني أكفك، فقال لي: اني أحب أن يتأذى الرّجلُ بحرّ الشّمس في طلب المعيشة)[3].    

وعن أبي حمزة، عن أبيه: قال: رأيت أبا الحسن (الإمام الكاظم عليه السلام) يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت: جعلت فداك أين الرجال؟

فقال: «يا علي! قد عمل باليد مَنْ هو خيرٌ منّي ومِن أبي في أرضه‌، فقلت: ومن هو؟ فقال:

«رسول الله وأمير المؤمنين وآبائي كلُّهم كانوا قد عَمِلوا بأيديهم وهو من عَمَل النّبيين والمرسلين والأوصياء والصّالحين»[4].

البطالة

وبخلاف العمل والانشغال بمهنة تنشأ البطالة وضياع الوقت، والبطالة لها آثارها على المستوى الاجتماعي والسياسي والأمني أيضاً، باعتبار أن البطالة ترتبط بانقطاع الدخل ومن ثم صعوبة الحياة نتيجة العجز في تلبية الحاجات الإنسانية الضرورية، مما يترتب عليه الجنوح إلى الجرائم الاجتماعية، والإرهاب والعنف، وجرائم الآداب، وانتشار مصادر الدخل غير المشروعة التي تعتبر ذات إغراء مرتفع للضائعين من الشباب، المتعطلين عن العمل على جميع المستويات، فضلاً عن الإحساس بالفقر، بالإضافة إلى النقمة على المجتمع بصفة عامة.

تؤدي حالة البطالة عند الفرد إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية، فمثلاً  يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا، والشعور بالعجز وعدم الكفاءة، مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية، كما ثبت أن العاطلين عن العمل الذين تركوا مقاعد الدراسة بهدف الحصول على عمل ثم لم يتمكنوا من ذلك؛ يغلب عليهم الاتصاف بحالة من البؤس والعجز، والأمراض وحالة الإعياء البدني

هناك أمور كثيرة أيضاً تُعدّ من مصاديق وروافد ضياع العمر، وهدر الساعات، منها: ساعات النوم الزائدة، فبإمكان الإنسان أن ينام ساعات محدودة، ليتقوّى بها على طاعة لله عز وجل، أما ما زاد عن ذلك، فإنه مضيعة للوقت.. وأيضاً ساعات البطالة في العمل، حيث يجلس البعض ينظر إلى الأبواب، أو يقلّب نظره في صحيفة ما، ولا يعرف ماذا يعمل وهو على هذه الحال كل يوم!..

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص88.   

[2] تحف العقول، ابن شعبة البحراني: ص445.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج5، ص76.

[4] جامع أحاديث الشيعة، البروجردي: ج17، ص133.