مسجد التنعيم

مسجد التنعيم

مسجد التنعيم هو أحد المساجد التاريخية بمكة المكرمة، ويقع على حدود الحرم المكي في منطقة تسمى أدنى الحل، فهو أحد المواقيت، والمواقيت جمع ميقات، وهي أماكن حددتها الشريعة للإحرام منها، ويقع هذا المسجد في حي التنعيم شمال غربي مكة المكرمة، على طريق مكة - مدينة، وهو يمثل أدنى حدود الحرم وأقرب نقاط الحل عن البيت الحرام، إذ لا يبعد عن المسجد الحرام سوى ستة كيلومترات تقريباً.

وسمي هذا الحي بالتنعيم لأن الجبل المشرف من الجنوب الغربي على الحي يدعى (نعيم)، والجبل المقابل له من الشمال الشرقي يسمى (ناعم)، ولم يعد هذان الاسمان معروفين في الوقت الراهن.

ويطلق على هذا الحي اسم العمرة أيضاً لأن المؤمنين يُرمون منه للعمرة المفردة، حيث سنَّ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الإحرام منه، فقد روي أن عائشة لما جاءت مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع كانت حائض فأحرمت بحج الإفراد، ولما فرغت منه أمرها النبي (صلى الله عليه وآله) بالإحرام للعمرة المفردة من تلك المنطقة، حيث ينقل أن عائشة قالت: ( ... فخرجنا في حجته حتى قدمنا منى فطهرت ثم خرجت من منى فأفضت بالبيت ... قالت ثم خرجت معه (أي النبي (صلى الله عليه وآله)) في النفر الآخر حتى نزل المحصب ونزلنا معه فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فلتهّل بعمرة ثم لتطف بالبيت فإني أنتظركما ها هنا، قالت: فخرجنا فأهللت ثم طفت بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منزله من جوف الليل، فقال فرغن؟ قلت: نعم، فآذن في أصحابه بالرحيل فخرج...) لذلك يسمى هذا المسجد عائشة مضافاً إلى أسمائه الأخرى وهي مسجد التنعيم ومسجد العمرة.

وهنا نود الإشارة إلى أن الاعتناء بآثار الأمم شيء يفرضه العقل قبل غيره، ولكن في تاريخ الأمة الإسلامية نجد أن الكثير من

الآثار المهمة قد أهملت، بل أزيلت تماماً وتحكمت الأهواء. فهنا لأن عائشة أحرمت من هذا المكان بني مسجد، بينما البيت الذي وُلد فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذا البيت الذي ضم أفضل خلق الله تعالى، وسيدة نساء العالمين (عليها السلام) وغيرها من الآثار أزيلت من الوجود، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

عمارة المسجد

شهد مسجد التنعيم مراحل عديدة لبنائه قبل أن يستقر على عمارته المميزة الحالية في الوقت الحاضر، فيقال أن أول من بناه هو محمد بن علي الشافعي ثم عمّره أبو العباس عبد الله بن محمد بن داوود أمير مكة، زمن الخليفة المتوكل بعد العام 240 ه ثم انهدم حتى أصبح المعتمرة يصلّون ويهلّون بالعمرة من أرض جرداء ليس بها أي بناء يخرجون فقط خارج الأعلام التي تحدد حدود أدنى الحل ويحرمون منها.

ثم بني المسجد بعد ذلك وخضع للعديد من التطورات كان آخرها في عام 1406 هـ حيث شملت إعادة بناء المسجد وتوسعته على مساحة قدرها ( 5.300) م2 ليستوعب أكثر من (6500) مصلٍ ويتميز المسجد عن سواه بالأبواب والنوافذ المرتفعة حيث شيّد على أحدث طراز معماري روعي فيه الأصالة والتاريخ ليمزج بين المعمار الإسلامي الحديث والزخارف الأثرية القديمة. وعلى الرغم مما يشهده المسجد من حركة دؤوبة لا تنقطع ليلا ونهارا إلا أن خدمات المرافق التابعة له جيدة وتفي بحاجة رواده، وإلى جانب أماكن الوضوء والاغتسال المخصصة للجنسين هناك مسطحات خضراء يطل عليها المسجد وتحيط به، وقد زوّد المسجد من الجهة الشرقية بمراجيح وزلاجات للترفيه عن الأطفال الذين يأتون بمعية ذويهم.

ويحيط المسجد مجموعة من الأكشاك لبيع لوازم الإحرام وبيع المشروبات والوجبات السريعة، كما تصطف بباحة المسجد عشرات الحافلات لنقل الركاب جاعلة الوصول إلى المسجد ومغادرته يسيراً للغاية وفي أي وقت.

أدنى الحِلّ

إن المقصود بأدنى الحلّ: هو أقرب نقطة من خارج الحرم وهو المعبر عنه بالحلّ إلى البيت الحرام، ولهذا تعرف المنطقة التي تقع داخل حدود الحرم بـ (الحرم) لما لها من أحكام خاصة تقديساً لمكة المكرمة والتي منها حرمة الصيد، وحرمة قلع ما ينبت في الحرم أو قطعه وغير ذلك على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.

وتعرف المنطقة التي تقع خارج حدود الحرم بـ (الحلّ) لأن الله تعالى حلّل ممارسة ما حرم داخل الحدود.

وقد انعكس ذكر (الحل والحرم) في الشعر العربي، كما ورد في قول الفرزدق مادحاً الإمام علي بن الحسين (زين العابدين (عليه السلام))

فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته       والبيتُ يعرفه والحلّ والحرمُ

وقد جعل الشارع المقدّس أدنى الحِلّ ميقاتاً للعمرة المفردة، وقد فُصَّلت ثلاثة أماكن للإحرام منها على بقية أماكن أدنى الِحلّ

وهي:

1- الحديبية

2- الجعرانه.

3- التنعيم.

مكان صلب خبيب بن عدي

على مقربة نحو (200) متر شمالي مسجد التنعيم بقرب الجبل قُتل خبيب بن عدي، أحد أسرى بعثة الرجيع سنة 4هـ، وذلك لما أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) نحو سبعة من أصحابه مع نفر من بني لحيان ليعلموهم أمور الدين، فلما بلغوا الرجيع قتلوهم وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدنة وباعوهما لأهل مكة فقتلهم أبو سفيان[1].

 المصدر: بيوت المتقين (14) - شهر ذو القعدة 1435هـ

 


[1]     مكة المكرمة والمدينة: ص 14.