محنته (صلى الله عليه وآله) في نفسه

كم لاقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أذى لحق بشخصه الكريم مرات عديدة، أصابه فيه الكثير من الانتهاك والتوهين بصورة لا تطاق، وبخاصة مع عظيم منزلته عند الله تعالى، حتى ورد عنه (صلى الله عليه وآله) قوله: (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)[1].

روي أن أبا جهل نحر يوما جزورا، ثم أخذ سلاها[2] فغرسها بين كتفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ساجد، فأقبلت فاطمة (عليها السلام) تطرحه عنه، فلما فرغ قال (صلى الله عليه وآله): (اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وبعتبة بن ربيعة، وبشيبة بن ربيعة وبالوليد بن عتبة، وبأمية بن خلف، وبعقبة بن أبي معيط، إنهم أوهنوني)[3].

وكم من أمثال هذا الانتهاك تكرر على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل أتباع الشيطان أولئك..

وكم من مرة كانوا يريدون قتله، إلا أن الله تعالى نجّاه منهم، وكانت أشهر حادثة منها اجتماع ثلّة من المشركين على اغتياله عشية خروجه إلى يثرب، فكان أن فداه أمير المؤمنين (عليه السلام) بنفسه بمبيته على فراشه تلك الليلة، حتى أنزل الله في ذلك آية قال تعالى: (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[4].

وكذلك كان علي ابن أبي طالب (عليه السلام) في كل موقف معه (صلى الله عليه وآله).

ولم تكفّ أيدي المشركين عن أن تنسج المكائد باستمرار لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى بعد أن استتب الأمر لأمة الإسلام، ولعل من أبرز تلك المكائد محاولة اغتياله (صلى الله عليه وآله) في العقبة حينما كان عائدا من غزوة تبوك، حيث أراد جماعة من المنافقين أن ينفّروا ناقة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عليها عند حافة وادٍ سحيق.

كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعيش التأثر النفسي الشديد وهو يرى صدّ الناس عن سبيل الحق، وإيثارهم البغي والضلال على الهدى والاستقامة، حتى نزل قول الله تعالى إليه: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)[5].

زيادة على ذلك، شدة كدحه في طاعة الله وطلب مرضاته، حتى ورد أنه كان يقف للعبادة عشر سنين على أطراف أصابعه، فتورمت قدماه واصفرّ وجهه، ويقوم الليل أجمع، حتى أنزل الله عز وجل عليه: (طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)[6].

وكان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: يا رسول الله أليس الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: (بلى، أفلا أكون عبدا شكورا؟)[7].

 


[1] بحار الأنوار: ج39، ص56.

[2] سلاها: أي جلدتها التي فيها ولدها ما دام في بطنها.

[3] حلية الأبرار: ج1، ص108.

[4] سورة البقرة: آية 207.

[5] سورة الكهف: آية 6.

[6] سورة طه: آية 1-2.

[7] الاحتجاج: ج1، ص326.