حسان بن حسان البكري

من وجوه الشيعة وأصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام) المخلصين وردت ترجمته مرة باسم (حسَّان) وثانية باسم (الأشرس) وربما كان الأشرس لقباً؛ لأن اسمه حسان كما جاء في (نهج البلاغة)، وقد ذكره السيد الأمين بما نصه: كان عامله(عليه السلام) على الأنبار، فأرسل معاوية، سفيان بن عوف الغامدي، في ستة آلاف، فأغار بها على الأنبار، وكان عند أشرس خمسمائة من الجند، كانوا قد تفرقوا، وبقي معه نحو مائتين، فقاتل بهم ثم أذن لمن لا يريد الموت بالهرب، وبقي في ثلاثين رجلاً أقدم بهم على الموت، صابراً محتسباً حتى قتل وقتل الثلاثون. وذلك في ربيع الآخر عام (38هـ)، وقد اختلف في اسمه، فقيل: حسان بن حسان. وجاء أنّ اسمه أشرس. وما جاء في بعض المراجع أبرش فغير صحيح.

ثباته في الميدان:

أبلى حسان بن حسان البكري وأصحابه المخلصين بلاءً حسناً وقاتل سفيان وأصحابه بعد أن انهزم أكثر الناس لما علموا أن عدد جيش سفيان يفوقهم بكثير فثبت حسان وقاتل حتى نال الشهادة مع أصحابه الأوفياء، يقول إبراهيم بن عبد الله بن قيس: (كنت مع حسان بن حسان البكري بالأنبار على مسلحتها، إذ صبحنا سفيان بن عوف في كتائب تلمع الأبصار منها، فهالونا والله، وعلمنا إذ رأيناهم أنه ليس لنا طاقة بهم ولا يد، فخرج إليهم صاحبنا وقد تفرقنا فلم يلقهم نصفنا، وأيم الله لقد قاتلناهم فأحسنا قتالهم حتى كرهونا ثم نزل صاحبنا ـ حسان ـ وهو يتلو قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَـدَّلُوا تَبْدِيلاً)[1].

ثم قال لنا: من كان لا يريد لقاء الله، ولا يطيب نفساً بالموت، فليخرج عن القرية ما دمنا نقاتلهم، فان قتالنا إياهم شاغل لهم عن طلب هارب، ومن أراد ما عند الله فما عند الله خير للأبرار، ثم نزل في ثلاثين رجلاً، فهممت بالنزول معه، ثم أبت نفسي، واستقدم هو وأصحابه، فقاتلوا حتى قتلوا رحمهم الله، وانصرفنا نحن منهزمين)[2].

أصداء الغارة في الكوفة والخطبة:

وصلت أنباء هذه الغارة الجبانة إلى الكوفة فتألم أمير المؤمنين (عليه السلام) كثيراً من أخبارها وعلت وجهه الشريف علامات الحزن.

عن محمد بن مخنف أن سفيان بن عوف لما أغار على الأنبار قدم علج من أهلها على علي (عليه السلام) فأخبره الخبر فصعد المنبر فقال: «أيها الناس إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم، فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا». ودعى (عليه السلام) سعيد بن قيس الهمداني فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف فخرج سعيد على شاطئ الفرات في أثر سفيان حتى بلغ (عانه)، وتبعه هاني بن الخطاب الهمداني فاتبع آثارهم حتى أدنى قنسرين لكنهما لم يلحقا بسفيان الذي هرب إلى معاوية[3].

موقف له دلالاته:

من المعلوم أن مواقف علي أمير المؤمنين (عليه السلام) تعتبر التجسيد الدقيق والحي لمفاهيم الإسلام، وأحكامه، وسياساته. والتاريخ يحدثنا: أنه حين بلغه (عليه السلام) إغارة خيل معاوية على بلاد المسلمين، خطب (عليه السلام) خطبة الجهاد المعروفة، وقد جاء فيها: «هذا أخو غامد، وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها.

ولقد بلغني: أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقلبها، وقلائدها، ورعاثها ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً»[4].

مجلة بيوت المتقين العدد (70)

 


[1] الأحزاب: آية 23.

[2] أعيان الشيعة: ج3، ص 459.

[3] الغارات ـ إبراهيم بن محمد الثقفي: ج2، ص470.

[4] نهج البلاغة: ج1، ص 64 ـ 65.