إننا نعيش في عصر الانتظار انتظار الظهور المبارك لقائم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، هذا الظهور الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (العارف منكم هذا الامر المنتظر له المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمد صلى الله عليه وآله بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسيفه ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فسطاطه)[1].
والسؤال الهام جدا والذي يجب أن نطرحه على أنفسنا، ونحن نعيش هذا العصر الذي غاب فيه إمامنا أرواحنا فداه.
كيف نهيئ أنفسنا لكي نكون في خط الانتظار؟
الشرط الأول: أن نعيش التواصل مع الإمام من خلال الأدعية والأذكار والزيارات.
مما لا شك فيه أن الدعاء والبكاء مطلوب في عصر الغيبة، وقد ورد الحث على ذلك في الأحاديث والروايات، والادعية الواردة في هذا المجال كثيرة منها: دعاء اللهم كن لوليك، ودعاء: اللهم عرفني نفسك، ودعاء الغريق، ودعاء العهد، ودعاء الندبة وغيرها
هذه الممارسات من الأدعية والأذكار والزيارات رغم ما تحمله من أهمية كبيرة، حيث تصنع في داخلنا حالة الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام الحجة (أرواحنا فداه)، وهذا الانصهار عنصر مهم من عناصر الانتظار، ولكن الاكتفاء بهذه الممارسات وحدها لا تجعلنا في عداد المنتظرين لظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه، بل لابد من تحقيق شروط كثيرة منها ما سوف نذكره فيما يلي.
الشرط الثاني: الارتباط النفسي والروحي والوجداني مع الإمام المنتظر(عليه السلام).
بمعنى أن يكون الإمام (عليه السلام) حاضرا دائما في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في أحاديثنا، في لقاءاتنا، في محافلنا.
وهذا الارتباط الروحي والنفسي مع الإمام المنتظر له ثمرات كبيرة منها:
(1) يخلق الأمل في داخلنا، فلا نصاب باليأس والإحباط، رغم ما يعانيه واقعنا من إرهاصات ومحن وفتن وتحديات صعبة.
(2) الارتباط بالإمام المنتظر(عليه السلام) يملؤنا بالقوة والعزيمة والصمود والثبات.
(3) هذا الالتحام يخلق عندنا حالة الانضباط والاستقامة، فحينما نعيش إحساسا نفسيا عميقا بأن الإمام المنتظر(عليه السلام) يعيش معنا، يراقب مسيرتنا، يتألم حينما يرانا نمارس أي لون من ألوان الانحرافات أو المخالفات أو التجاوزات الشرعية، إن شعورنا بأن هذه المخالفات والمفارقات تشكّل إزعاجا لإمامنا وقائدنا يجعلنا نراقب تلك الممارسات والسلوكيات والتصرفات بالشكل الذي يمنحها رضا الإمام وارتياحه.
الشرط الثالث: الترقّب الدائم لظهور الإمام عجل الله فرجه.
وقد ذكرت الروايات علامات كثيرة لظهور الإمام (عليه السلام)، منها عامة كظهور الفتن، وانتشار الفساد، وسيطرة الظالمين، وسفك الدماء، وتأجج الحروب...الخ
ومنها علامات خاصة وهي مقترنة أو قريبة من زمن ظهور الإمام (عليه السلام)، وهذه العلامات قد تفاجئنا مفاجأة، فقط جاء في بعض الأحاديث أن الله يصلح امر الإمام في ليلة، لذلك تأتي ضرورة الترقب الدائم والتوقع المستمر.
الشرط الرابع: الاستعداد الدائم.
وذلك بان نعد أنفسنا إعدادا روحيا عاليا، لأن اللقاء مع الإمام المنتظر يحتاج إلى مستوى عال من الروحانية والإيمان والإخلاص لله، وصفاء القلب.
وكذلك لابد أن نعد أنفسنا إعدادا فكريا وثقافيا، بدرجة كبيرة، بمعنى أن نتوفر على مستوى من الوعي والفهم والرؤية بمفاهيم الإسلام وأحكامه، تؤهلنا لأن نكون من الكوادر الصالحة للالتحاق بالإمام المنتظر(عليه السلام)، فالمستفاد من الروايات أن أنصار الإمام أو الممهدين للإمام يملكون درجات عالية من البصيرة والمعرفة والفقاهة في الدين.
وأيضا لابد من أن نعد أنفسنا إعدادا سلوكيا وعمليا بحيث نعيش التقوى والورع والالتزام بأحكام الله تعالى، كما جاء في الحديث عن الامام الصادق (عليه السلام): (من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة)[2].
فالمنتظرون للإمام (عليه السلام) نماذج عالية في التدين والورع والصلاح والطاعة والعبادة.
وأيضا لابد من أن نعد أنفسنا إعدادا رسالياً وجهاديا، فالمنتظرون يمثلون الكوادر المتحركة مع الإمام عليه السلام، وهذه الكوادر يجب أن تكون مؤهلة بأعلى مستويات التأهيل: وعيا، وإيمانا، والتزاما، وجهادا.
والإعداد الرسالي والجهادي يفرض توظيف القدرات الفكرية والنفسية والعملية، وترشيد الإمكانات والكفاءات والطاقات في خدمة الإسلام والدين.
فخط الانتظار هو خط الموقف، وخط التحدي، وخط المواجهة والثبات، والصمود والكلمة الجريئة، والعمل الرسالي والدور الجهادي.
الشرط الخامس: الارتباط الفعلي بقيادة الإمام المنتظر (عليه السلام).
وذلك من خلال الارتباط العملي بخط الفقهاء العدول الصالحون المؤهلون، وبخط العلماء الممثلِّين لخط الفقهاء.
الشرط السادس: التوطئة العملية لظهور الإمام المنتظر (عليه السلام).
وتتمثل في:
1- تهيئة كوادر مؤهلة كافية للانتماء لحركة الإمام المنتظر عليه السلام.
2- تهيئة أرضية وقاعدة صالحة تدعم حركة الإمام المنتظر عليه السلام.
3- تهيئة الأجواء الفكرية والنفسية لاستقبال الإمام (عليه السلام).
4- تعميق وترسيخ مبدأ الرفض لكل الكيانات المناقضة للإسلام، والعمل على قيام كيانات تطبق الإسلام.
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (60) ـ الصفحة: 20 - 21.