البدء بالنفس في التمهيد:
إنّ أي طريق من طرق الخير وما نحن بصدده يوجب علينا أنّ نبدأ بأنفسنا كما أمر الله تعالى في آياته المباركة.
قال الله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها)[1] فإذا راقبنا أنفسنا، وطبّقنا عقائدنا ومعتقداتنا في سلوكنا الشخصي والاجتماعي نكون ممهّدين ومساعدين ومعاونين على تحقّق الأرضية المناسبة لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وجاء في الروايات: أنّ مَن كان على حب العترة الطاهرة (عليهم السلام) ومات قبل ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مات وله أجر مَن كان في خدمته وضرب بالسيف تحت رايته.
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «...فإنّه مَن مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله وأهل بيته مات شهيداً، ووقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلاته لسيفه، فإنّ لكلّ شيء مدّة وأجلاً»[2].
ففي الوقت الذي يطلب منّا الدعاء بتعجيل الفرج، نكون مأمورين أيضاً بتهيئة أنفسنا، وبالاستعداد الكامل لأنّ نكون بخدمته (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وإذا عمل كلّ فرد منّا بوظائفه، وعرف حقّ ربّه عزّ وجلّ وحقّ رسوله (عليهم السلام) وحقّ أهل بيته (عليهم السلام)، فقد تمّت الأرضية المناسبة لظهوره (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
أثر الإعداد النفسي:
إنّ شيعة أهل البيت(عليهم السلام) وأتباعهم يهدفون في حركتهم إلى تحقيق هدفهم المرسوم، والقيام بتحمّل المسؤولية في دولتهم المباركة بقيادة إمامهم المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فنجد أنّهم يستمدّون وقود حركتهم من هذا الهدف العظيم، ومن هنا ولكي لا يصيبنا الخَوَاء والضعف الروحي والمعنوي ـ الذي يعبّر عنه القرآن الكريم (بالوهن) ـ الذي إذا اُصيب به المجتمع وسرى في جسده، سوف تتراكم عليه الانكسارات والهزائم، ومن ثمّ يتضاءل ارتباطه بالله تعالى، ويضعف إيمانه بهدفه وبالتالي يصل إلى مجتمع خاوٍ فاقد للإرادة تتّضح أهمية الإعداد النفسي، ويمكن الإشارة إلى ذلك من خلال النقاط التالية:
1ـ أنّ عملية إعداد الفرد والمجتمع تنّمي قوة الإحساس بالهدف، وتجعل العقيدة ذات حضور دائم في كلّ حركة من حركاته، ممّا يجعله يعيش معها في أفكاره ومشاعره، وفي علاقاته ومطامحه، فتتسع في قلبه وتتحوّل إلى همٍّ يوميٍّ متحرّك، بدلاً من أنّ تكون عقيدته مختفية في زاوية محدودة من زوايا الفكر. وربّما يمكن استيحاء هذا المعنى ـ من حضور العقيدة ـ من الكلمة العظيمة لأمير المؤمنين (عليه السلام): «ما رأيت شيئاً إلاّ ورأيت الله قبله وبعده وفيه»[3].
2ـ أنّ عملية الإعداد النفسي تربّي الفرد والمجتمع، وتجعلهما قادرين على مواجهة الرياح العاصفة، فلا يتزلزل أمام أيّة ريح، ولا يهتز أمام أيّ تحدّي.
3ـ الإعداد النفسي للفرد والمجتمع يساهم في تصعيد درجة الإخلاص، ومن ثمّ يساهم في تحقيق شرط الظهور.
4ـ من خلال الإعداد النفسي للظهور تتعمّق الصلة مع الإمام (عليه السلام) ومن ثم تتجذّر عقيدته أكثر فأكثر، وهذا بدوره يسهم في إصلاح نفسه وإصلاح مجتمعه ومَن حوله.
5ـ أنّ الإعداد النفسي يربّي عند الفرد المؤمن والمجتمع حالة الشعور بالمسؤولية، الذي يُعدّ من العناصر الأساسية في المسيرة التكاملية للفرد والمجتمع، فبمقدار قوة هذا الشعور في نفس المؤمن يكون له اضطلاع بتحمّل المسؤولية، وبمقدار تحمله للمسؤولية يتلقّى مدده بالتوفيق من الله تعالى لنيل الغاية، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمحْسِنِين)[4].
هل تستقيم للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الأمور بلا عمل؟
الجواب: عن بشير النبال، قال: ...لما قدِمت المدينة قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): إنّهم يقولون: إنّ المهدي لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق مِحجَمة دم، فقال (عليه السلام): «كلا والذي نفسي بيده لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حين أُدْمَيت رباعيته، وشَجَّ في وجهه، كلا والذي نفسي بيده حتى نمسح نحن وأنتم العرق والعَلَق، ثم مسح جبهته»[5].
فالإنسان المؤمن الذي تقع في رأس قائمة أولويّاته مسألة الظهور المقدّس للحجّة المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يبحث عن كل صغيرة وكبيرة تؤثّر إيجاباً في تفعيل هذه العقيدة في نفسه، كما أنّه يسعى جاهداً لإزالة ما يؤثّر على ضعفها أو خمولها فضلاً عن انحسارها بسبب العوامل السلبية، داخلية كانت في نفسه، أو خارجية من محيطه.
كما يُطلب من الفرد أنْ يؤسّس لنفسه عقيدة وثقافة وسلوكاً يؤثّر إيجاباً في تعجيل فرج المولى المقدّس (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فكذلك على المستوى الاجتماعي ينبغي أنْ يكون هذا الفرد مؤثّراً في تشكيل بيئة مهدوية تؤثّر إيجاباً في دفع الناس اتجاه الاهتمامات المهدويّة، ونشر ثقافة الانتظار من خلال المجالس والأندية التي تفتقر كثيراً لهذه الثقافة، فالفرد الذي أعدّ لنفسه منهجاً صحيحاً في هذا المضمار لابدّ أنْ لا يجعله حبيساً في أدراج أُفق النفس، بل لابدّ من إخراجه من خلال سلوك يمارسه، أو فكر ينشره، لتكون بذلك حظوته عند إمامه(عجل الله تعالى فرجه الشريف) كحظوة إبراهيم الخليل (عليه السلام) عند ربّه، إذ جُعل أمّة رغم فرديته؛ لأنّه حمل على مستوى الفكر والسلوك هموم إنقاذ الأُمّة بأسرها من براثن ما كانت تعيشه، قال الله تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً للهِ حَنِيفاً...)[6].
وهكذا المأمول من الفرد المهدوي الذي أعدّ نفسه إعداداً صحيحاً للظهور المقدّس، فكلّ حدث نراه اليوم له مدخليّة ولكنّها لابدّ أنْ تنضبط في إطار الشريعة المقدّسة، ولابدّ أنْ تتحدّد بحدود ما ورد عن أهل البيت(عليهم السلام)، فنحن نسير في طريق حافّتاه الترقّب والانتظار والاستعداد من جهة ومنع التوقيت والاستعجال وذمّهما من جهة أخرى، فهذه الثقافة التي تشبه إلى حدّ كبير ثقافة الأمر بين الأمرين هي الكفيلة وحدها بنجاة المؤمنين، وتشكيل قاعدة عريضة تؤثّر في تعجيل فرج الإمام المنتظر الغائب(عجل الله تعالى فرجه الشريف).
ورد عنه (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «...ولو أن أشياعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليُمن بلقائنا. ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم. والله المستعان...»[7].
المكاتبة الصادرة عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) تتحدث عن شرط الظهور وهو اجتماع القلوب وهو عين معنى الوحدة والاجتماع وقوام الوحدة الوفاء بالعهد للإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ اي اجتماع على قضية المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف). ومن نافلة القول أن الانتماء العقائدي لا يكفي؛ لأنه لو كان هو الشرط لكان الخروج منذ زمن قديم بل إن الوحدة والاجتماع هما في إطار العمل وصب الجهد في مشروع التمهيد لا بشكل عشوائي بل بشكل منظم له قيادة وله نظام.
والإعداد يحتاج لعدة مقومات منها:
الإيمان:
إن فكرة المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هي فكرة اشتركت بها جميع الأديان، وتعددت المذاهب المختلفة التي آمنت بخروج المخلص، لكن انفردت بخصائصها وتفاصيلها الثلة المؤمنة التابعة لمذهب آل البيت (عليهم السلام)، لذا فإن أهم ما يميز مجتمع التمهيد هو الإيمان بحقيقة وجود صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وهذا الإيمان باعث على العمل وإصلاح النفس لدى أفراد المجتمع الإيماني الذي يغلب عليه طابع العبادة والتقوى والبصيرة والعلم. عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «...أنّ الله تبارك وتعالى عَلِمَ أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حُجّتَه طرفةَ عين، ولَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ»[8].
التوجه العبادي:
أن يكون لديه الحرص على أداء الطاعات والعبادات واجتناب الذنوب والمعاصي التي نهى عنها الشارع المقدس، بسبب صعوبة مراعاتها في ظل ازدياد الفتن وكثرة الملحدين والمشككين والمتصدين لإضلال المسلمين. فالعبادة بجميع مفرداتها خير وسيلة لتركيز صفة الانتظار في النفس الإنسانية، ومن أهم العبادات التي تشكل عاملاً مهماً في بناء الشخصية المنتظرة ذكر الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) والدعاء له، والدعاء بتعجيل الفرج الذي سموه (عليهم السلام) (فرجنا). عن الصادقين (عليهما السلام): «...متى حضرك من دهرك تقول بعد تمجيد الله تعالى والصلاة على النبي عليه وآله السلام: اللهم كن لوليك فلان بن فلان (الحجة بن الحسن (عجل الله تعالى فرجه الشريف)) في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظا وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمكنه فيها طويلاً»[9].