كان السيد عبد الله الشيرازي(رحمه الله) جالساً في الروضة النبوية المطهرة، وكان جالساً قرب المنبر مشغولاً بقراءة القرآن، فجاء رجل شيعي ووقف على يساره وكبّر للصلاة، وكان على يمينه رجلان مصريان من أهل العِلم متكئان على الاسطوانة، فأدخل الرجل الشيعي يده في جيبه بعد تكبيرة الإحرام لإخراج التربة الحسينية للسجود عليها، فقال أحدهما للآخر والسيد مسترق السمع: أنظر إلى هذا الأعجمي يريد أن يسجد على الحجر، فحمل عليه أحدهما ليختطف التربة منه، فسارعت بإمساك يده، وقلت له: لماذا تبطل صلاة الرجل المسلم، وهو يصلّي مقابل قبر النبي(صلى الله عليه وآله)؟
فقالَ لي: يريد أن يسجد على الحجر.
فقلتُ: وأيّ بأس في ذلك؟ وأنا أيضاً أسجد على الحجر.
قال متعجباً: كيف؟
فقلتُ: هو جعفري وأنا جعفري، وهذا هو الصحيح على مذهبنا.
فأردفتُ قائلاً: هل تعرف الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام)؟
قالَ: نعم.
قلتُ: فهل هو من أهل البيت(عليهم السلام)؟
قالَ: نعم.
فقلتُ: هو رئيس مذهبنا، ويقول لا يجوز السجود على الفراش، ولكن على أجزاء الأرض.
وقلتُ له أَيضاً: فكيف يصلي أَهل السنّة في حال القيام على أربعة أشكال من جهة التكتّف، ويقولون: إن أبا حنيفة هكذا قال، والشافعي هكذا، والمالكي هكذا، والحنبلي هكذا، وصوّرت له بيديّ الحالات الأربع، مع أنَّ الدين واحد، والصلاة التي صلاّها رسول الله(صلى الله عليه وآله) كانت نحواً واحداً.
قالَ: نعم.
فقلتُ: جعفر الصادق(عليه السلام) رئيس مذهبنا الذي اعترفتَ بأنه من أهل البيت(عليهم السلام)، لم يكن أقلّ من أبي حنيفة، ومنه تعلّمنا أنّ السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتت، إلاّ ما أُكل أو لُبس، والعلّة في ذلك إن السجود خضوع لله فلا ينبغي أن يكون على ما يُؤكل ويُلبس، لإنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والسجود على الأرض أبلغ في التواضع والخضوع لله عزّ وجلّ.
وهذا الاختلاف بيننا وبينكم لا يكون إلاّ مثل اختلافكم بطريقة التكتّف في الصلاة فيما بينكم، التي هي من الفروع ولا ترتبط بالأصول، ولا علاقة له بالشرك أصلاً، لأنّه في حال السجود نذكر الله تعالى بالتحميد والعلو، أليس السجود على الحجر الذي هو جزء من الأرض مثل السجود على نفس الأرض، أو على الفراش، أو الحصير!؟
فإذا سجد المسلم على الأرض أو الفراش، هل يكون ذلك بمعنى أنّه عبدها؟ فالسجود على الحجر مثل السجود عليها! وكيف تجاهلتم الفرق بين السجود عليه، والسجود له، والسجود على شيء يحتاج تحقق العبادة معه إلى شيء آخر حتى يكون هو المعبود، ولا يكون نفس المسجود عليه معبوداً، وهل رأى أحد وثنيّاً في مقام العبادة يضع الصنم على الأرض ويسجد عليه؟
بل يجعلون الأصنام في مقابلهم ويسجدون على الأرض ويخرّون لها تخضّعاً وتخشّعاً، فحينئذ المعبود هو الصنم وليس ما سجد عليه من الأرض من حجر أو فراش[1].
مجلة اليقين، العدد (42)، الصفحة (8 - 9).