عقيدتنا في الاِسلام

نعتقد: أنّ الدين عند الله الاسلام[1]، وهو الشريعة الاِلهية الحقّة التي هي خاتمة الشرائع وأكملها، وأوفقها في سعادة البشر، وأجمعها لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم، وصالحة للبقاء مدى الدهور والعصور، لا تتغيّر ولا تتبدّل، وجامعة لجميع ما يحتاجه البشر من النظم الفردية والاجتماعية والسياسية.

ولمّا كانت خاتمة الشرائع، ولا نترقَّب شريعة أُخرى تُصلح هذا البشر المنغمس بالظلم والفساد، فلا بدَّ أن يأتي يوم يقوى فيه الدين الاِسلامي، فيشمل المعمورة بعدله وقوانينه[2].

ولو طُبِّقت الشريعة الاسلامية بقوانينها في الاَرض تطبيقاً كاملاً صحيحاً، لعمّ السلام بين البشر، وتمَّت السعادة لهم، وبلغوا أقصى ما يحلم به الانسان من الرفاه والعزّة، والسعة والدعة، والخلق الفاضل، ولأنقشع الظلم من الدنيا، وسادت المحبّة والاِخاء بين الناس أجمعين، ولأنمحى الفقر والفاقة من صفحة الوجود.

وإذا كنّا نشاهد اليوم الحالة المخجلة والمزرية عند الذين يسمُّون أنفسهم بالمسلمين، فلاَنّ الدين الاسلامي في الحقيقة لم يطبَّق بنصه وروحه، ابتداء من القرن الاَول من عهودهم، واستمرت الحال بنا - نحن الذين سمَّينا أنفسنا بالمسلمين - من سيّىء إلى أسوأ إلى يومنا هذا، فلم يكن التمسُّك بالدين الاسلامي هو الذي جر على المسلمين هذا التأخّر المشين، بل بالعكس إنَّ تمرُّدهم على تعاليمه، واستهانتهم بقوانينه، وانتشار الظلم والعدوان فيهم؛ من ملوكهم إلى صعاليكهم ومن خاصتهم إلى عامتهم، هو الذي شلَّ حركة تقدّمهم، وأضعف قوَّتهم، وحطَّم معنوياتهم، وجلب عليهم الويل والثبور، فأهلكهم الله تعالى بذنوبهم: (ذَلِكَ بِأنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغيِّراً نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلى قَومٍ حَتَّى يُغيِّروا ما بأَنفُسِهِمْ)[3]، تلك سنّة الله في خلقه (إِنَّهُ لا يُفلحُ المُجرِمُونَ)[4] ( وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظلمٍ وَأَهلُهَا مُصلِحوُن )[5] (وَكذَلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذا أَخَذَ القُرَى وَهي ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَليِمٌ شَدِيدٌ)[6].

وكيف يُنتظر من الدين أن ينتشل الاُمّة من وهدتها وهو عندها حبر على ورق؛ لا يُعمل بأقل القليل من تعاليمه.

إنّ الايمان والأمانة، والصدق والاخلاص، وحسن المعاملة والايثار، وأن يُحب المسلم لاَخيه ما يحِب لنفسه، وأشباهها، من أوّل اُسس دين الاسلام، والمسلمون قد ودَّعوها من قديم أيّامهم إلى حيث نحن الآن، وكلّما تقدمّ بهم الزمن وجدناهم أشتاتاً وأحزاباً وفرقاً، يتكالبون على الدنيا، ويتطاحنون على الخيال، ويكُفِّر بعضهم بعضاً، بالآراء غير المفهومة، أو الاُمور التي لا تعنيهم، فانشغلوا عن جوهر الدين، وعن ماصالحهم ومصالح مجتمعهم بأمثال النزاع في خلق القرآن، والقول بالوعيد والرجعة وأنّ الجنة والنار مخلوقتان أو سيُخلقان، ونحو هذه النزاعات التي أخذت منهم بالخناق، وكفَّر بها بعضهم بعضاً، وهي إن دلَّت على شيء فإنّما تدلّ على انحرافهم عن سنن الجادّة المعبّدة لهم، إلى حيث الهلاك والفناء.

وزاد الانحراف فيهم بتطاول الزمان، حتى شملهم الجهل والضلال، وانشغلوا بالتوافه والقشور، وبالاتعاب والخرافات والاَوهام، وبالحروب والمجادلات والمباهاة، فوقعوا بالاَخير في هاوية لا قعر لها، يوم تمكَّن الغرب المتيقظ - العدو اللَّدود للاِسلام - من أن يستعمر هذه البقاع المنتسبة إلى الاِسلام، وهي في غفلتها وغفوتها، فيرمي بها في هذه الهوّة السحيقة، ولا يعلم إلاّ الله تعالى مداها ومنتهاها (وَمَا كانَ رَبُّكَ لِيُهلِكَ القُرى بِظُلمٍ وَأهْلُهَا مُصلِحُونَ)[7].

ولا سبيل للمسلمين اليوم وبعد اليوم إلاّ أن يرجعوا إلى أنفسهم فيحاسبوها على تفريطهم، وينهضوا إلى تهذيب أنفسهم والاَجيال الآتية بتعاليم دينهم القويمة، ليمحو الظلم والجور من بينهم، وبذلك يتمكّنون من أن ينجو بأنفسهم من هذه الطامة العظمى، ولا بدَّ بعد ذلك أن يملأوا الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، كما وعدهم الله تعالى ورسوله[8]، وكما هو المترقَّب من دينهم الذي هو خاتمة الاَديان، ولا رجاء في صلاح الدنيا وإصلاحها بدونه.

ولا بدَّ من إمام ينفي عن الاسلام ما علق فيه من أوهام، وأُلصق فيه من بدع وضلالات، وينقذ البشر وينجّيهم ممّا بلغوا إليه من فساد شامل، وظلم دائم، وعدوان مستمر، واستهانة بالقيم الاَخلاقية والاَرواح البشرية، عجَّل الله فرجه وسهَّل مخرجه.

 


[1] إشارة الى قوله تعالى: (إنَّ الدّيِنَ عِنْدَ اللهِ الاِسلمُ ) آل عمران 3: 19.

وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الأِسلمِ دِيناً فلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخسِرينَ) آل عمران 3: 85.

[2] قال تعالى: ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا في الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنْ الاَرضَ يَرِثهُا عِبَادِيَ الصَّلِحُونَ) الاَنبياء 21: 105.

[3] الانفال 8: 53.

[4] يونس 10: 17.

[5] هود 11: 117.

[6] هود 11: 102.

[7] هود 11: 117.

[8] فقد ذكر عزّ وجلّ في كتابه الحكيم: ( وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الْزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الْذِّكْرِ أَنَّ الاَرضْ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّلحُونَ * إِنَّ في هَذَا لَبَلغاً لِقَوْمٍ عبديِنَ) الاَنبياء 21: 105 - 106.

وتواتر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والاَئمّة عليهم‌السلام من أنّ المهدي من ولد فاطمة، يظهر في آخر الزمان ليملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً. وسيأتي تفصيل الكلام في هذا الموضوع عند بحث «عقيدتنا في المهدي».