الكونفشيوسية

هي مجموعة من المعتقدات والمبادئ الفلسفية والعقلية، ميولها مقاربة للأهواء الصينية من طبائع وعادات موروثة عن الأجداد، فتعترف الكونفشيوسية بالفوارق الطبقية بين أبناء المجتمع، ويظهر هذا جليًّا عند تأدية الطقوس الدينية، وفي الأعياد الرسمية، وعند تقديم القرابين، فهي تتقوم مبدئياً باعتقادهم بتعدد الآلهة، فللسماء إله خاص بها، وعبادته مخصوصة بالملك، أو بأمراء المقاطعات، وكما للسماء إله للأرض إله، ويعبده عامة الصينيين، وللشمس والقمر والكواكب والسحاب والجبال، لكل منها إله، ويتوجه بالعبادة لها، وتقديم القرابين إليها، وكذلك تُعبد أرواح الآباء والأجداد، ولهم رؤيا بأن الإنسان خلق نتيجة تزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية.

وعندهم الموسيقى تلعب دوراً هاماً في حياتهم، وتسهم في تنظيم سلوك الأفراد وتعمل على تعويدهم واستساغة الطاعة والنظام، فكانت من أهم العناصر الشعائرية الدينية لهم، لاعتقادهم أن لها وظيفة روحانية وسلطان على أفئدة الناس، وكان كنفشيوس نفسه يغني وينشد، ويعزف الموسيقى، حتى أنه ألف (كتاب الأغاني)، فكان مغرماً بالحفلات الموسيقية.

وبسبب الطبيعية الدُنيوية (اللادينية) لهذه الفلسفة، نراها قد فشلت كل المحاولات التي كانت تهدف لأن تجعل من الكونفشيوسية عقيدة دينية، فلم تشق طريقها لتصبح ديانة بالمعنى المعروف، فكان يعوزها أهم أساسيات الهيكلة الدينية، كالطبقة الكهنوتية (رجال الدين).

واستمدت الكونفشيوسية تعاليمها عن طريق كونفشيوس نفسه التي اشتقت من اسمه الذي ولد سنة 551 ق.م في مدينة (تسو) الصينية، وهي إحدى مدن مقاطعة (لو)، وتلقى علومه الفلسفية على يديّ أستاذه الفيلسوف (لوتس) صاحب النِحلة الطاوية، حيث كان يدعو إلى القناعة، والتسامح المطلق في كل شيء، ولكن كونفوشيوس خالفه فيما بعد داعياً إلى مقابلة السيئة بمثلها، مخالفا لجميع الديانات السماوية، وبُجّل حتى لقب بنبي الصين، وأُطلق عليه ألقابا كالـ(مُعلِم) والـ(حكيم)، إلّا أن التبجيل لم يرق أبدا إلى درجة التأليه، بَيدَ أن بعضهم ونظرا لملازمة مفهوم عبادة الأسلاف والأجداد للديانة الصينية، قالوا بألوهيته، فهو أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهب يجمع كل التقاليد الصينية، فهو يعتبر المؤسس الحقيقي لهذه العقيدة، وألتف الناس من حوله واحتواهم  بتقديسه لآلهتهم التي كانوا يعبدونها في زمانه، ويداوم على تأدية الشعائر لها، ويصلي صامتاً، ويكره أن يرجو إلهه الخاص به، أو يسأله النعمة أو الغفران، إذ إن الصلاة لديه ليست إلّا وسيلة لتنظيم سلوك الفرد، ففلسفته قائمة على الأفكار العقلية، فمن معتقداته نظرته إلى الحياة فهو يرى بأن العصر الذهبي للإنسانية كان في القدم، فيحن إلى الماضي ويدعو الناس إلى الحياة فيه، ولكن الحكام على زمانه لم يكونوا من رأيه لذا عارضوه، فأتخذ طريقا آخر وهو البحث عن المناصب السياسية والتنفيذية بغية نشر تعاليمه، وكان آخرها رئيساً للوزراء في سنة 496 ق.م حيث أقدم حينها على إعدام بعض الوزراء وعدداً من رجال السياسة المعارضين له.

توفي كوفشيوس سنة 479 ق.م بعد أن ترك مذهباً رسميًّا وشعبيًّا استمرّ حتى منتصف القرن العشرين، ولكن المعارضة لتعاليمه وأفكاره اشتدت بعد وفاته، فأحرق ملوك الصين الجدد كتبه وحرّموا تعاليمه، ورأوا فيها نكسة مستمرة، وتقهقرا للوراء، وتقوقع في الأزمان الغابرة، فعلى الشعوب النظر لمستقبلها، بينما هو يدعو الناس للعيش في الماضي، ومع الأسف استمرت فلسفته تتحكم في الحياة الصينية قرابة عشرين قرناً، ويعاز سبب انتشارها لأنه لم يطلب من الصينيين أن يغيروا حياتهم أو يطوروها، وإنما أكد لهم على كل ما يؤمنون به واعتادوا عليه فوجدوا أنفسهم في وسط تعاليمه.

وانقسمت الكونفوشيوسية بعد مؤسسها إلى مذهبين: أحدهما متشدد يدعو إلى الاحتفاظ بحرفية آراء كونفشيوس وتطبيقها بكل دقة، والآخر تحليلي، يقوم على أساس تحليل آراء كنفشيوس واستنباط أفكاره باستلهام روح النص الصادر منه.

المصادر:

- كونفوشيوس فيلسوف الصين الأكبر، ترجمة محمد مكين.

- كونفوشيوس، النبي الصيني، د. حسن شحاتة سعفان.

- الملل والنحل، للشهرستاني.

- محاضرات في مقارنات الأديان، محمد أبو زهرة.

- حكمة الصين، د. فؤاد محمد شبل.

المصدر: مجلة اليقين العدد (32)