جاء في عدّة نصوص قرآنية وحديثية وصف العمل بالقبول من الله عزّ وجلّ أو بعدم القبول، والمراد بالعمل المقبول هو: العمل الصالح، أو العمل الكامل الصلاحية، قال عزّ وجلّ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[1]، وقال عزّ وجلّ: (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا...)[2]، كما ذكر القرآن الكريم أسباب عدم قبول الأعمال قال سبحانه: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ)[3]، وقال عز وجل: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ...)[4].
وأما ما جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) في بيان العمل المقبول من غير المقبول، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وَاللهِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي عَلَى الرَّجُلِ خَمْسُونَ سَنَةً وَمَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ صَلَاةً وَاحِدَةً، فَأَيُّ شَيْءٍ أَشَدُّ مِنْ هذَا؟ وَاللهِ، إِنَّكُمْ لَتَعْرِفُونَ مِنْ جِيرَانِكُمْ وَأَصْحَابِكُمْ مَنْ لَوْ كَانَ يُصَلِّي لِبَعْضِكُمْ مَا قَبِلَهَا مِنْهُ؛ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهَا؛ إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لَا يَقْبَلُ إِلاَّ الْحَسَنَ، فَكَيْفَ يَقْبَلُ مَا يُسْتَخَفُّ بِهِ؟!»[5].
وعن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُرْفَعُ لَهُ مِنْ صَلَاتِهِ نِصْفُهَا، أَوْ ثُلُثُهَا، أَوْ رُبُعُهَا، أَوْ خُمُسُهَا، فَمَا يُرْفَعُ لَهُ إِلاَّ مَا أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ، وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِالنَّافِلَةِ لِيَتِمَّ لَهُمْ بِهَا مَا نَقَصُوا مِنَ الْفَرِيضَةِ»[6].
فيمكن أن نستفيد من مضامين الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة أنّ الأعمال المقبولة تتفاوت بدرجات كثيرة، ما دام ذلك مرتبطاً بالمحتوى النفسي الذي يبعث على ذلك العمل، فقد يكون الدافع بكلّه صالحاً، فيكون العمل كلّه مقبولاً، وقد يكون مركّباً من عناصر صالحة وأُخرى غير صالحة، فيُقبل بقدر الصالح منها، ولذلك نستطيع القول إنّ:
تقييم الأعمال بصورة دقيقة وصحيحة أمر يختصّ بالله تعالى، فهو العليم بذات الصدور، لكن لا يمنع من أن البشر يملكون المقاييس التي تمكّنهم من التقييم الظاهري للأعمال، فيستطيع أحدنا مثلاً أن يقف على دوافعه، ويقيّم أعماله بشكل عام، ويُمَيّز الحسن المقبول من السيء المذموم، قال تعالى: (بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[7].
ومن جهة أخرى، فإنه ورد في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) بعض الأفعال التي تؤثّر على درجة قبول الصلاة، أو قل هي شروط خاصّة، نذكر فيما يلي بعضاً منها:
1 ـ أداء الزكاة: فعن الإمام الرضا (عليه السلام): «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِثَلَاثَةٍ مَقْرُونٍ بِهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَی، أَمَرَ بِالصَّلَاةِ والزَّکاةِ فَمَنْ صَلَّی ولَمْ یزَكِ لَمْ یُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاتَهُ»[8]، ويُقصد بالزكاة: هي الضريبة الماليّة التي أوجبتها الشريعة على الإنتاج أو الفائض السنوي.
2 ـ عدم شرب الخمر: فعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «مَنْ شَرِبَ الخَمرَ فَسَكِرَ مِنها لَم يُتَقَبَّلْ صلاتُهُ أَربَعينَ يَوْمَاً...»[9].
3 ـ عدم الظلم: عن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «اتّقوا الظلم فإنّه ظلمات يوم القيامة»، وعن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «ما من أحد يظلم بمظلمة إلّا أخذه الله بها في نفسه وماله، وأمّا الظلم الّذي بينه وبين الله فإذا تاب غفر الله له»، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: «من أكل مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه أكل جذوة من النار يوم القيامة».
4 ـ الإقبال في أداء الصلاة: فكما مر في حديث الإمام الباقر(عليه السلام) المتقدم نعلم إن مجرد العمل الصالح لا ضمان لأن يكون مرضياً مقبولاً، بل لابد أن يقترن بما يجعله متقبلاً عند الله تعالى، من الدعاء والإخلاص وغير ذلك، كما لابد من رفع موانع القبول التي يجمعها عدم التحرز عن ارتكاب والمعاصي والاستخفاف بحقوق الله تعالى والتهاون في الواجبات والأحكام.
مجلة اليقين العدد (42)