الأزارقةُ: فرقةٌ من فرق الخوارج، نسبةً لزعيمها نافع بن الأَزرق، وكان من أَخطر الخوارج؛ إذ كان يرى رِدّة كل من لم ينضم إِليه عقائدياً، وكان يختبر الناس في ولائهم للحكّام، فمن والاهم عدّه كافراً فقاتله، وكان يقتل الناس حتى في المساجد، وكانوا كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديثه: «.. يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان..»[1].
وهم أشد الخوارج غلواً، وأبعدهم عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ظهروا بعد أصحاب النهروان وحربهم، وترأسهم نافع بن الأزرق كما أسلفنا، والذي هو شيخهم وإمامهم، وهو الذي عُرف بأسئلته ومناظراته مع ابن عباس، فلا يعير لغير رأيه اعتباراً، ويجادل شططاً، وهذا من شأن الخوارج، وأساس ضلالهم، بأنهم لا يلتزمون بالتعاليم النبوية إلا ما وافق هواهم منها، وابتداعهم لمفاهيم غريبة ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا مخالف لهدي النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) والقرآن الكريم.
فنافع بن الأزرق كان يعتقد هو ومن معه أن المسلمين بأجمعهم كفّار إِلا نافعاً ومن كان معه، حتى من كان على مذهبه ولم يهاجر إليه فهو كافر عنده، فلو أن إنساناً محبوساً لا يستطيع أن يتخلص من ظلم الحجاج وسطوته، ولم يخرج ويهاجر إلى نافع ويلتحق بجيشه لم يشفع له ذلك وإن كان على مذهبه، ويطلق على هؤلاء (القَعَدة)، ويرى أن ما سوى معسكره دار كفر، وقد قالوا بكفر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والعياذ بالله بقولهم: (كَفَرَ عليٌّ بالتحكيم، وابن ملجم مُحِقٌّ في قتلهِ).
وقد قاموا بشن حرب في البصرة وما حولها، وقد أوغل أصحاب نافع بن الأزرق الذين خرجوا معه إلى البصرة وإلى الأهواز بالقتل والسبي والحرق، وما هذه بأفعال مسلمين كما يدّعون، فتغلبوا عليها وعلى ما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيام عبد الله بن الزبير، وقتلوا عماله بهذه النواحي، وكان مع ابن الأزرق الكثير من الشخصيات من أمراء الخوارج، ومعهم زهاء ثلاثين ألفَ فارسٍ ممن يرى أن لهؤلاء الرأي السديد والأحقية فيما يقولوه، فأنفذ إليهم عبد الله بن الحارث بن نوفل النوفلي عدّة قادة قد قتلوا جميعهم، فخشي أهل البصرة على أنفسهم وبلدهم من الخوارج، فأخرج إليهم أخيراً المُهلّب بن أبي صفرة، فبقى في حرب الأزارقة تسع عشرة عاماً إِلى أَن فرغ من أَمرهم في أيام الحجاج، ومات نافع الأَزرق قبل واقعة المهلب مع الأزارقة، وبايعوا بعده قطري بن الفجاءة المازني وسموه أمير المؤمنين.
وللأزارقة بدع كثيرة أهمها:
أولا: تكفير أمير المؤمنين (عليه السلام)، وعلى هذه البدعة مضت الأَزارقة، وزادوا عليها بتكفير أَصحابهم أيضاً، كعثمان وطلحة والزبير وعائشة وسائر المسلمين معهم، وتخليدهم في النار جميعاً.
ثانيا: أكفر الكفار من قعد عن قتال الحاكم في زمانهم، ومن لم يهاجر إليهم، وابن الأزرق أول من أظهر البراءة منهم، وإن كانوا موافقين لجميع آرائه.
ثالثا: إباحتهم قتل أطفال المخالفين ونسائهم.
رابعا: إسقاط الرجم عن الزاني، وإسقاط حد القذف عمن قذف المحصنين من الرجال مع وجوب الحد على قاذف المحصنات من النساء.
خامسا: حكمهم بأن أطفال المشركين في النار تبعا لآبائهم.
سادسا: أن التقية غير جائزة لا في قول ولا في عمل.
سابعا: تجويزهم أن يبعث الله تعالى نبياً يعلم أنه يكفر بعد نبوته، أو كان كافرا قبل بعثته.
ثامنا: اجتماع الأزارقة على أن من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر، وخرج عن ملة الإسلام، ويكون مخلداً في النار مع سائر الكفار، واستدلوا بكفر إبليس وقالوا ما ارتكب إلا كبيرة، حيث أمر بالسجود لآدم (عليه السلام) فامتنع، وإلا فهو عارف بوحدانية الله تعالى.
المصادر:
الملل والنحل للشهرستاني: ج1، ص122، موسوعة كشّاف اصطلاحات الفنون والعلوم لمحمد عليّ التهانوي، ج1، ط1، بيروت: مكتبة لبنان. صفحة 142، إزالة الشبهات عن معاني المصطلحات لمحمد عمارة: ط1، القاهرة؛ الإسكندرية: دار السلام. ص 77، الأزارقة: الموسوعة العربية لأمينة بيطار.
المصدر: مجلة اليقين العدد (33)
[1] البحار للمجلسي: ج23، 341.