ما هو الصحيح في قضية بدء الوحي؟

 (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَق)[1].

البعثة عند الإمامية:

من المعلوم أن الله تعالى خلق الأنوار المقدسة للنبي وآله (صلى الله عليه وآله) رحمة للعالمين، وأشهد الخلق على نبوته، كما في بحار الأنوار[2]، وأنه كان نبياً وآدم بين الماء والطين كما في مناقب آل أبي طالب[3]، كما ذكرت المصادر الإسلامية أن نور النبي (صلى الله عليه وآله) كان يُرى في أجداده وآبائه لا سيما جدّه عبد المطلب وأبوه عبد الله وأمه آمنه (عليهم السلام).

وكان علماء النصارى واليهود يذكرون ذلك ويبشرون بقرب ظهور النبي الموعود وحدثت عدة أمارات عند ولادته الشريفة، ومما يذكر أيضاً أنه قبل بعثته (صلى الله عليه وآله) كان لا يمر بحجر أو شجر إلا قالت: السلام عليك يا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فعن علي (عليه السلام) قال: (كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله) بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله»[4].  وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يذهب إلى غار حراء يتعبد فيه وينتظر أمر ربه تعالى حتى آن الأوان وأذن الرحمان بالبعثة المباركة إذ هبط عليه الوحي بأول آيات مباركات وقال له: (اقرا يا محمد) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وما أقرأ).

حيث ورد في بحار الأنوار أن علياً بن محمد (عليه السلام) قال: (وأما تسليم الجبال والصخور والأحجار عليه فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما ترك التجارة إلى الشام، وتصدق بكل ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغدو كل يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله، وعجائب معاجزه، وبدائع حكمته، وينظر إلى أكناف السماء وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي، فيعتبر بتلك الآثار، ويتذكر بتلك الآيات، ويعبد الله حق عبادته، فلما استكمل أربعين سنة ونظر الله عز وجل إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها، فأذن لأبواب السماء ففتحت، والنبي (صلى الله عليه وآله) ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا والنبي ينظر إليهم، وأمر بالرحمة فأنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس النبي فغمرته، ونظر إلى جبرائيل، الروح الأمين، المطوق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه ـ مابين الأبط والعضد ـ وهزّه وقال يا محمد: اقرأ، قال (صلى الله عليه وآله): وما أقرأ؟ قال جبرائل (عليه السلام): يا محمد (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[5]، ثم أوحى إليه ما أوحى إليه ربه عز وجل، ثم صعد إلى علو، ونزل محمد (صلى الله عليه وآله) من الجبل وقد غشيه من تعظيم جلال الله، وورد عليه من كبير شأنه ما ركبه الحمى والنافض، وقد اشتد عليه ما يخافه من تكذيب قريش له في خبره، ونسبهم إياه إلى الجنون، وأنه يعتريه شياطين، وكان من أول أمره أعقل خلق الله، وأكرم براياه وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم، فأراد الله عز وجل، أن يشرح صدره، ويشجع قلبه، فأنطق الجبال والصخور والمدر، وكلما وصل إلى شيء منها ناداه: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا ولي الله، السلام عليك يا رسول الله، أبشر فإن الله عزّ وجلّ قد فضلّك وجملّك وزيّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأولين والآخرين، لا يحزنك أن تقول قريش: إنك مجنون، وعن الدين مفتون، فإن الفاضل من فضله رب العالمين، والكريم من كرمه خالق الخلق أجمعين، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك، فسوف يبلغك ربك أقصى منتهى الكرامات، ويرفعك إلى أرفع الدرجات وسوف ينعم ويفرح أولياؤك بوصيك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وسوف يبث علومك في العباد والبلاد) [6].

وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يعرف الوحي ويراه، كما أوضح ذلك الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له وردت في كتاب نهج البلاغة حيث قال (عليه السلام): (ولَقَدْ قَرَنَ الله بِه (صلى الله عليه وآله)، مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِه، يَسْلُكُ بِه طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَه ونَهَارَه، ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه، ولَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ، فَأَرَاه ولَا يَرَاه غَيْرِي، ولَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الإِسْلَامِ، غَيْرَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) وخَدِيجَةَ وأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ والرِّسَالَةِ وأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ، ولَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْه (صلى الله عليه وآله)، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِه الرَّنَّةُ، فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِه، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وتَرَى مَا أَرَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ولَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ، وإِنَّكَ لَعَلَى خَيْر) [7].

وقد جاء في بعض مصادر العامة نظير ما رواه الإمامية فقد روي في كتبهم قول النبي (صلى الله عليه وآله) لجبريل: (وما أقرا)، في العديد من مصادرهم التي لا يسعهم الطعن بها، منها (سيرة ابن اسحاق المتوفى سنة151 هج، ج2، ص101، وكذلك البلاذري المتوفى سنة279 في أنساب الأشراف ج1 ص110، والطبري المتوفى سنة310 في تاريخه ج2 ص48، والبيهقي وابن الاثير والذهبي وابن كثير) وغيرهم.

ومع ذلك فقد طال التحريف والتزوير والكذب قضية بدء نزول الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله) كغيرها من الأحداث الإسلامية الأخرى فقد رووا أنه قال لجبرائيل: (ما أنا بقارئ) وإن جبرائيل قد خنقه ثلاث مرات فخاف منه، وإن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد الانتحار وغيرها من الاكاذيب  التي تناقض القران الكريم حيث قال الله تعالى: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ)[8]، وكيف كان الوحي في جو مرعب والقرآن يصرح أن لا خوف للمرسلين قال تعالى: (إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ)[9]، كما أن رواياتهم تناقض تواتر الأخبار بأن أحبار اليهود والنصارى عرفوه فكيف لم يعرف هو نبوته حتى بعد نزول الوحي عليه !.

 


[1] سورة العلق: 1 ـ 2.

[2] بحار الأنوار: ج36 ، ص178.

[3] مناقب آل أبي طالب: ج1 ، ص183.

[4] السيرة الحلبية للحلبي:ج1، ص361.

[5] سورة العلق : 1 ـ 5.

[6] بحار الأنوار للمجلسي: ج17 ص309.

[7] نهج البلاغة خطب الإمام علي (عليه السلام): ج2، ص157.

[8] سورة التكوير: 23.

[9] سورة النمل: 10.