مسجد السهلة المعظم

مسجد السهلة المعظم

مسجد السهلة أحد أكبر المساجد الإسلامية التي شُيّدت في الكوفة خلال القرن الأول الهجري والتي ما زالت قائمة إلى الآن، ولهذا المسجد وما فيه من المشاهد أهمية عظمى لدى الكثير من الناس، وله في قلوبهم قدسية ومنزلة كبيرة، لما ورد فيه من الفضائل، ولهذا السبب فهو يقصد من خارج العراق ومن داخله، وتُشدّ إليه الرحال وتُنذر إليه النذور، وكذلك يقترن اسمه دائماً بالإمام المنتظر المهدي (عليه السلام)،  استناداً إلى الفضائل الخاصة بهذا المسجد، والأحاديث التي تؤكد على أن هذا المسجد هو منزله وبيت ماله (عليه السلام)، إضافة إلى تصريح الكثير من العلماء والصلحاء التي تؤكـد بأنه قد شُوهد (عليه السلام) مراراً في هذا المسجد، ومقامه فيه هو أحد المزارات المقصودة، ولعظيم منزلة هذا المسجد في نفوس شيعة أهل البيت (عليهم السلام) لا نكاد نتصفح كتاباً للزيارات إلاّ ونجد فيه فصلاً عن أعمال مسجد السهلة وفضائله وفرائضه.

أسماء المسجد:

 لمسجد السهلة عدة أسماء منها: (مسجد بني ظفر)، (مسجد القرى)، (المسجد البري)، (مسجد الثرى)، (مسجد السهلة): ورد هذا الاسم في الكثير من الروايات المروية عنهم (صلوات الله عليهم)، وهو المتداول حاليا وأطلق هذا الاسم - على ما يظهر - لسهولة وانبساط ارض المسجد والأراضي المجاورة له، أو أنها محرفة عن (سهيل) ويحتمل أن يكون (سهيل) هذا اسم بانيه أو أحد المتعبدين فيه أو أئمة المسجد، وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الإمام الباقر (عليه السلام) حيث يقول: (....و فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه....).

مسجد السهلة في كلمات الأئمة (عليهم السلام):

الإمام علي (عليه السلام): عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال : (ومسجد بني ظفر، مسجد مبارك، والله إن طباقه لصخرة خضراء، ما بعث الله من نبي إلا وفيها تمثال وجهه، وهو مسجد السهلة).[1]

وسأل أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك بن ضمرة العنبري قائلا: (أتخرج إلى المسجد الذي في جنب دارك تصلي فيه؟ قال: فقلت له: يا أمير المؤمنين، ذاك مسجد تصلي فيه النساء، فقال لي (عليه السلام): يا مالك ذاك مسجد ما أتاه مكروب قط، يصلي فيه فدعا إلا فرج الله عنه، وأعطاه حاجته)[2].

الإمام علي بن الحسين (عليه السلام): قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام): (من صلّى في مسجد السهلة ركعتين زاد الله في عمره سنتين)[3].

الإمام محمد الباقر (عليه السلام): قال الإمام الباقر (عليه السلام)، وهو يتحدث عن الكوفة المقدسة: (هي الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين وغير المرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله نبيا إلا وقد صلى فيه، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي منازل النبيين والأوصياء والصالحين)[4].

الإمام الصادق (عليه السلام): وعنه (عليه السلام): (...أما والله لو استعاذ الله به حولا لأعاذه، أما علمت أنه موضع بيت إدريس النبي (عليه السلام) الذي كان يخيط فيه، ومنه سار إبراهيم إلى اليمن بالعمالقة، ومنه سار داود إلى جالوت، وإن فيه لصخرة خضراء فيها مثال كل نبي، ومن تحت تلك الصخرة أخذت طينة كل نبي وإنه لمناخ الراكب، قيل: ومن الراكب؟ قال: الخضر (عليه السلام))[5].

وقال (عليه السلام): (...وفيه ينفخ في الصور وإليه المحشر، ويحشر من جانبه سبعون ألفا يدخلون الجنة)[6].

قال أبو عبد الله (عليه السلام) وذكر مسجد السهلة فقال: (أما إنه منزل صاحبنا إذا قام بأهله)[7].

وعنه (عليه السلام) أنه قال: (ما من مكروب يأتي مسجد السهلة فيصلي فيه ركعتين بين العشاءين ويدعو الله عز وجل، إلا فرج الله كربته)[8].

 الاستجارة في مسجد السهلة:

من خواص هذا المسجد المبارك الاستجارة فيه من البلاء كما ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) :(بالكوفة مسجد يقال له: مسجد السهلة، لو أن عمي زيدا أتاه فصلى فيه، و استجار الله، لأجاره عشرين سنة)[9]، وذكر الشيخ جعفر الكبير في كتابه كشف الغطاء بعد هذا الحديث: وقد استجرت به في سنة الطاعون مع ما يقرب من أربعين شخصاً على الظاهر وقد أفنى الخلق ثم بعد انقضائه ما فُقد منهم أحد على الظاهر.

تاريخ تأسيس المسجد:

ليس هناك مصادر تاريخية تدل دلالة علمية تاريخية كاملة على بداية تأسيس المسجد وتأريخه والعمارات التي طرأت عليه، إلا أن الروايات الشريفة التي تحدث بها أمير المؤمنين وأبناؤه الطاهرون (عليهم السلام) عن المسجد المشرف تدل على قِدَم هذه البقعة المباركة، كونها كانت بيت النبي إدريس (عليه السلام) وموضع عمله، وبيت النبي إبراهيم (عليه السلام) ومقر انطلاقته، ومسكن عبد الله الصالح الخضر (عليه السلام) ومحل تردده، ومقر النبي داود (عليه السلام) ومصدر توجهه، كما يستدل الباحث بوضوح بما ورد عن حَمَلة الوحي (عليهم السلام) من أن كل الأنبياء والأوصياء عليهم السلام قد صلوا فيه، ونُقِشت صور وجوههم على زبرجدة أو صخرة موجودة فيه، و لعل حمل المسجد لأسماء شتى، دليل آخر على قدم بنائه وأنه في كل مرحلة تجديد أو حقبة زمن يحمل اسمَ القوم الذين يجددونه أو يجاورونه، ويمكن القول بأن المسجد كان مؤسساً قبل زمن خلافة الإمام علي (عليه السلام) في الكوفة (35 ــ 40هـ) وليس ببعيد أن يكون الإمام قد أدّى إحدى صلواته فيه وذلك لقدسيته وفضله.

موقع المسجد وعمارته:

يقع المسجد في الجهة الشمالية الغربية من مسجد الكوفة، ويبعد عنه حوالي كيلومترين تقريباً، وهي المنطقة التي كانت تسمى بالكناسة، وكان في الكناسة محل للشنق وفيه عرض جثمان زيد بن علي فيكون موقع الكناسة اليوم بين مسجد السهلة ومسجد الكوفة.

   الشكل التقريبي لمساحة المسجد مستطيل الشكل يتألف من أربعة أضلاع: الشمالي طوله 160م، الشرقي طوله 130م، الجنوبي طوله 160، الغربي 130م، وسور المسجد مرتفع ومدعوم بأبراج نصف دائرية من الخارج، وفي منتصف الضلع الشرقي مأذنة تحيط بها من الأعلى سلة مزخرفة بأجمل أنواع الزخرفة والنقوش كتبت عليها آيات قرآنية، المدخل الرئيس للمسجد هو من الباب المجاور للمأذنة، وتحيط مساحة المسجد من الداخل على طول الضلعين الشرقي والغربي صفّين من العقود (الإيوانات)، وفي الضلع الجنوبي يوجد رواق طويل يمتد على طول الضلع، وساحة المسجد مكشوفة وتنتشر في وسطها وزواياها عدة مقامات ومحاريب للأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، منها مقام الصادق (عليه السلام) ثم مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) ، ثم مقام إدريس (عليه السلام)  ومقام الخضر، ومقام الصالحين والأنبياء المرسلين، ومقام الإمام زين العابدين (عليه السلام)  ومقام الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف).

مقام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف):

  كما تقدم فإن هذا المسجد يقترن اسمه دائماً بالإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) استناداً إلى الأحاديث التي تؤكد على أن هذا المسجد لا يزال القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فيه أبداً وهو منزله وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين، لذلك سنقتصر على وصف وتاريخ مقام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فقط دون وصف المقامات الأُخرى والواقعة في زوايا المسجد ووسطه خوفا من الإطالة.

    يعرف مقامه هذا بمقام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) أو صاحب العصر والأمر، ويقع في وسط الجهة الجنوبية من المسجد، وللمكان هذا أثر في النفوس المؤمنة الخيرة بسبب ما اشتهر من أن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) قد صلّى ودعا الله عز وجل فيه، ولم يكن هذا المقام معهوداً بين الناس، فأمر السيد محمد مهدي بحر العلوم ببناء هذا المقام وبناء قبة من الكاشي الأزرق عليه وذلك سنة 1181هـ، وبعد ذلك تعرض المقام للتعمير لعدة مرات، ولذلك لم يرد ذكر للمقام في كتب المزارات القديمة كمزار المشهدي والمزار الكبير ومزار المفيد ومزار الشهيد ومزار المجلسي والتي تناولت أعمال مسجد السهلة فيها بينما ذكرت المقامات الأخرى فيها.

ليلة الأربعاء ومسجد السهلة:

قال السيد ابن طاووس: إذا أردت أن تمضي إلى السهلة فاجعل ذلك بين المغرب والعشاء الآخر من ليلة الأربعاء، وهو أفضل من غيره من الأوقات (مصباح الزائر)، ولقد سنَّ الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر المتوفى سنة (1266هـ ـ 1848م) للناس عادة الذهاب إلى السهلة ليلة الأربعاء من كل أسبوع، وقد استمرت هذه العادة إلى يومنا هذا.

وقد ذكر العلامة النوري رحمه الله في كتابه (جنة المأوى) في الحكاية الثامنة والخمسين منه ما كتبه عن رجل صالح ديّن أنه قال: إني كنت كثيراً ما أسمع من أهل المعرفة والديانة أنّ من لازم عمل الاستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية، بنية رؤية الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وفّق لرؤيته وإن ذلك قد جرّب مراراً..

المصدر: بيوت المتقين (8) - شهر جمادى الأولى 1435هـ

 


[1]     الميرزا النوري مستدرك الوسائل ج3ص 396.

[2]     جامع أحاديث الشيعة - ج4 - ص557 - 558.

[3]     البحار ج100 ص436 ح 6.

[4]     التهذيب 6: 31/57.

[5]     الكافي 3: 494/1.

[6]     التهذيب 6: 37/76.

[7]     الكافي 3: 495/2.

[8]     التهذيب 6: 38/77.

[9]     الكافي 3: 495/3.