تفضيل الأئمة (عليهم السلام) على الأنبياء(عليهم السلام)

يوجد خلاف حول تفضيل الأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) على الأنبياء (عليهم السلام) عدا نبينا (صلى الله عليه وآله) وهو خلاف ليس فقط بين السنة والشيعة بل بين الشيعة أنفسهم، وإن كان الاتجاه العام يتجه بتفضيلهم على الأنبياء (عليهم السلام). وقبل البدء بالكلام في هذا الموضوع نشير إلى مسألة مهمّة وهي: أنه ليس في الموضوع شرك أو كفر، بل هو يخص تفاضل بين إنسانين ولا علاقة له بالشرك، وقد ورد ما يدلُّ على تفاضل الأنبياء فيما بينهم في القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: (وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ)[1]، و قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)[2]، كما أنّ من يذهب لتفضيل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الأنبياء يدعم قوله بأدلة من الكتاب والسنة، ولذا لا يمكن بحال أن يدخل ذلك في الكفر كما يتوهم البعض.

 النبوة والإمامة:

من المفاهيم الواقعية الواردة في القرآن الكريم مفهوم الإمامة، ومنها أيضاً مفهوم النبوة، فهل منزلة الإمامة أرفع من منزلة النبوة، أم العكس هو الصحيح؟ للجواب على هذا السؤال نستنطق القرآن الكريم ونتدبر ما أخبرنا به في هذه المسألة، قال تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)[3].

 هذه الآية الكريمة تفصِّل بين النبوة والإمامة، فالله سبحانه يبتلي إبراهيم (عليه السلام) ويختبره ويمتحنه بكلمات، وهذه الكلمات كما يتضح من القرآن الكريم هي قضايا ابتليَ بها وعهود إلهية أريدت منه، كابتلائه بالكواكب والأصنام، والنار والهجرة وترك أهله بوادٍ غير ذي زرع، وتضحيته بابنه، وهو أعظم الابتلاءات فقد ذكرت بوضوح حيث قال تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ)[4].

ولعل تسمية هذه الابتلاءات بكلمات من باب كون الكلمات تؤدي إلى الخبر والأمر والنهي وما شابه والقضايا تبلغ عادة بالكلام.  وأن هذه الآية أتت في أواخر حياة إبراهيم (عليه السلام) وذلك كون الآية تذكر أنَّ هناك ابتلاءات ومنها ذبح إسماعيل (عليه السلام) مع أنَّ الذرية لم تأته إلا وهو نبي كبير السن آيس، ويتلقى الملائكة، وحين بشروه قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون؟ قالوا، بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين). وآية الابتلاء تُصرِّح بأنَّ له ذرية حيث قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) وبهذا يتضح بجلاء أنَّ نبي الله إبراهيم (عليه السلام) كان نبياً ودخل في سلسلة من الاختبارات الإلهية، وبعد أن نجح بامتياز جاءه الخطاب ليتوِّجه بمنصب الإمامة: (.. إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا..) إمام، يأتم به الناس للدين والدنيا بل وتكون له الولاية عليهم كما قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم..). عن الصادق(عليه السلام): (إن الله - تبارك وتعالى- اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبيا، وإنَّ الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولا، وإنَّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلا، وإنَّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماما. فلما جمع له الأشياء قال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) قال: فمن عِظَمِها في عين إبراهيم قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي...). فإن كان إمام الجماعة يُقتدى به في صلاة الجماعة فقط، وإمام المذهب - مثلاً - يُقتدى به في الفتيا، فهنا إمامة عامة، ولعظمتها سأل إبراهيمُ ربَّه عن ذريته - هل يكون فيهم أئمة؟ - فجاء الجواب: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين)، أي أنَّ الظالم لا ينال منصب الإمامة ويكون خليفة الله وقائداً في أمور الدين والدنيا للجميع.

وهنا تتضح لنا بعض الأمور منها: أن الإمامة جَعْلٌ من الله سبحانه وليست انتخابا، فالآية الكريمة تقول: (إني جاعلك)، وهي تصرًح على أنَّ الإمامة جعلٌ من الله سبحانه، حيث إنَّ الله تبارك وتعالى حكيم يعلم ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان ليستحق منصب الإمام، والقدرات الذاتية التي لا يعلمها عامة الناس، فينص عليه إذا شاء. وبما أنَّ الإمامة بهذه المنزلة، وصفتها الجعلية، فلا يمكن أن يصلها كل أحد، ولا يمكن أن يتلبس بصفاتها من انتُخب انتخابا، فلو أنَّ إنساناً لم يكن طبيباً، فهل يصير طبيباً بالانتخاب؟؟بالطبع لا، وإذا وجد طبيب بين الناس لكنهم لم ينتخبوه، فهل يسلب عدم انتخابهم له صدق الطبيب عليه؟ والجواب مرَّة أخرى هو النفي، فهو طبيب حقيقة، ويبقى كذلك، ولا يسلب منه عنوانه الطبي.

ومن الأمور الأخرى التي تتضح من الآية الكريمة، دلالة الآية الكريمة على عصمة الإمام، فإنَّ قوله تعالى: (لا ينالُ عهدي الظالمين) يدلُّ بوضوح على نفي تلبس الظالم بالإمامة، وهو عبارة أخرى عن ضرورة عصمة المختارِ للإمامة، ومعنى الظالم يشمل من كان ظالماً لنفسه أو لغيره، إذ إنَّ الظالم تارةً يكون ظالماً لغيره، وتارةً أخرى لنفسه، فكل ذنب يذنبه يكون به ظالماً لنفسه على الأقل. قال تعالى: (.. وَمَنْ
يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[5] وقولة تعالى: (... وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ...)[6].

مجلة اليقين العدد (11)

 


[1] الإسراء: 55.

[2] البقرة: 253.

[3] البقرة: 124.

[4] الصافات

[5] البقرة: 229.

[6] الطلاق: 1.