إنّ الفهم الصحيح لبرهان الحركة وكيفية استخدامه في مسألة إثبات وجود الله يقتضي أمور وهي:
(أ) تعريف الحركة.
(ب) وجود الحركة.
(ج) أركان الحركة.
(د) المقولات التي تقع فيها الحركة.
(أ) تعريف الحركة:
هي خروج الشيء من القوّة إلى الفعل بصورة تدريجية.
فمثلاً: عندما تتساقط قطرات المطر من السماء، فالنتيجة هي إمّا أن ينبت نبات أو ينضج ثمر تدريجيّاً، وفي هذه الموارد كلّها يكون للجسم وضع فعلي كما أنّ له القابلية في ذات الوقت لاتّخاذ وضع آخر، وعندما يفقد الوضع الموجود تدريجيّاً ويتقبّل وضعاً جديداً (ما كان فيه بالقوّة يصبح فعليّاً)؛ فإنّ ذلك الموجود وفق سلسلة من الزوال والحدوث المستمر يكون قد انتقل من حالٍ إلى حالٍ، وممّا تقدّم يمكن استنتاج أنّ الشيء إذا كانت له فعلية تامّة ووجود مطلق فلا تتصوّر فيه الحركة، بل سيكون ذا ثبات تامّ.[1]
(ب) وجود الحركة
وجود الحركة من الأمور البديهيّة؛ إذ نلاحظ بأُمِّ أعيننا وبوضوح ونحسّ بحواسنا الأُخرى باستمرار وجود حركات في الخارج، وعليه فإنّ أدلّة المنكرين لوجود الحركة لا قيمة لها وأنّها تواجه أمراً بديهياً، وذلك لأنّنا لا يمكن أن نعتبر الماء الجاري في النهر، أو عندما نركب السيّارة ونسافر من مدينه إلى أُخرى أُموراً خياليةً، وأنّها أمور ذهنية وليست خارجية؛ لأنّ هذا الأمر هو أشبه بإنكار البديهيات.
ولكن لا يمكن إنكار أنّ فهم الحركة بدون قوّة حافظة أمر غير مقدور؛ لأنّ الحركة لا يمكن إدراكها بإحساس آني لأنّها أمر تدريجي.
(ج) أركان الحركة
ذكر الفلاسفة ستّة أركان للحركة:
1- المبدأ 2- الغاية 3- المحرّك 4- المتحرّك 5- موضوع الحركة 6- زمن الحركة (الزمان وليد الحركة وليس والدها).
(د) مجالات الحركة
كان الفلاسفة في السابق يعتقدون بأنّ الحركة تحدث في أربع مقولات من مجموع تسع مقولات عرضية هي.
1- الحركة في (المكان)، نظير حركة قطرات المطر وحركة السيارة في الطريق.
2- الحركة في (الكمية) نظير زيادة حجم النبات النامي.
3- الحركة في (الوضع) نظير حركة الأرض حول نفسها.
4- الحركة في (الكيفية) نظير التغيّر التدريجي في لون وطعم ورائحة الفاكهة في الشجرة. وكانوا يعتقدون بعدم وجود حركة في غير هذه الموضوعات الأربعة، فكان فلاسفة اليونان لا سيّما (أرسطو) وأتباعه وكذلك بعض الفلاسفة المسلمين ومنهم ابن سينا وآخرون يعتقدون باستحالة الحركة في الجوهر، وأنّهم كانوا يتصوّرون أنّ ذات المتحرِّك هي من أركان الحركة، ويعتقدون بأنّ الحركة لا مفهوم لها ما لم يوجد موجود ثابت يتعرّض للحركة[2].
إلّا أنّ صدر المتألّهين (الفيلسوف الإسلامي الشهير) قدّم نظرية جديدة وقال: بأنّ الحركة في الجوهر ليست غير مستحيلة فحسب، بل لا يمكن أن توجد حركة في الأعراض ما لم تكن مستندة إلى حركة في الجوهر.
وما المانع من أن يكون (الجوهر) متحرِّكاً في ذاته؟ بمعنى أنّه يفقد نفسه باستمرار ويكتسب تشخيصاً جديداً.
هذا الموضوع يبدو عجيباً لأوّل مرّة - طبعاً- لأنّه يستلزم أن يكون (المتحرّك) مع (الحركة) شيئاً واحداً، وأن يكون الموجود نفسه سبباً لتحرِّكه، لكنّه لو دقّقنا قليلًا لوجدنا أنّ الأمر ليس عجيباً، فحسب بل هو أمر لازم. وخلاصة هذه النظرية هو أنّ كلّ متحرِّك لا بدّ له من محرِّك وهذا المحرِّك هو موجد تلك الأجزاء الحركة، والعالم بجميع جزيئاته متغيِّر ومتحرِّك، فيحتاج إلى مَن يحرّكه فيثبت من هذه النظرية وجود المحرِّك الذي هو الله تعالى علّة العلل لجميع الموجودات[3].
مجلة ولاء الشباب العدد (64)