اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وآلِ محمدٍ
المسائل المذكورة في هذا القسم وفي الأقسام الأخرى مأخوذة من كتاب (منهاج الصالحين) للمرجع الديني آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف)، بحسب الطبعة الأخيرة الموجودة في الموقع الرسمي لسماحة السيد، وعملنا على تقسيم أبواب الكتاب إلى الأقسام المذكورة؛ ليكون الوصول إلى المسألة المطلوبة من قبل القارئ الكريم سهلاً ويسيراً، نسأله تعالى التوفيق والسداد لخدمة المؤمنين في كل مكان إنه سميع الدعاء.
مسألة 1: يجب على كلِّ مكلَّف لم يبلغ رتبة الاجتهاد أن يكون في جميع عباداته ومعاملاته وسائر أفعاله وتروكه مقلّداً أو محتاطاً، إلّا أن يحصل له العلم بأنّه لا ىلزم من فعله أو تركه مخالفة لحكم إلزامي ولو مثل حرمة التشريع، أو يكون الحكم من ضروريّات الدين أو المذهب - كما في بعض الواجبات والمحرّمات وكثير من المستحبّات والمباحات - ويحرز كونه منها بالعلم الوجدانيّ أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائيّة كالشياع وإخبار الخبير المطّلع عليها.
مسألة 2: عمل غير المجتهد بلا تقليد ولا احتياط باطل، بمعنى أنّه لا يجوز له الاجتزاء به ما لم يعلم بمطابقته للواقع، إلّا أن يحصل له العلم بموافقته لفتوى من يجب عليه تقليده فعلاً، أو ما هو بحكم العلم بالموافقة، كما سيأتي بعض موارده في المسألة الحادية عشرة.
مسألة 3: يجوز ترك التقليد والعمل بالاحتياط، سواء اقتضى التكرار كما إذا تردّدت الصلاة بين القصر والتمام أم لا، كما إذا احتمل وجوب الإقامة في الصلاة، لكن تمييز ما يقتضيه الاحتياط التام متعذّر أو متعسّر غالباً على غير المتفقّه، كما أنّ هناك موارد يتعذّر فيها الاحتياط ولو لكون الاحتياط من جهةٍ معارضاً للاحتياط من جهةٍ أُخرى، ففي مثل ذلك لا بُدَّ لغير المجتهد من التقليد.
مسألة 4: يكفي في التقليد تطابق عمل المكلّف مع فتوى المجتهد الذي يكون قوله حجّة في حقّه فعلاً مع إحراز مطابقته لها، ولا يعتبر فيه الاعتماد، نعم الحكم بعدم جواز العدول - الآتي في المسألة الرابعة عشرة - مختصّ بمورد التقليد بمعنى العمل اعتماداً على فتوى المجتهد.
مسألة 5: يصحّ التقليد من الصبيّ المميّز، فإذا مات المجتهد الذي قلّده قبل بلوغه كان حكمه حكم غيره الآتي في المسألة السابعة، إلّا في وجوب الاحتياط بين القولين قبل البلوغ.
مسألة 6: يجوز تقليد من اجتمعت فيه أُمور: البلوغ، والعقل، والإيمان، والذكورة، والاجتهاد، والعدالة، وطهارة المولد، والضبط بالمقدار المتعارف، والحياة على التفصيل الآتي.
مسألة 7: لا يجوز تقليد الميّت ابتداءً وإن كان أعلم من الحيّ، وإذا قلّد مجتهداً فمات فإن لم يعلم - ولو إجمالاً - بمخالفة فتواه لفتوى الحيّ في المسائل التي هي في معرض ابتلائه جاز له البقاء على تقليده، وإن علم بالمخالفة - كما هو الغالب - فإن كان الميّت أعلم وجب البقاء على تقليده، ومع كون الحيّ أعلم يجب الرجوع إليه، وإن تساويا في العلم أو لم تثبت أعلميّة أحدهما من الآخر يجري عليه ما سيأتي في المسألة التالية.
ويكفي في البقاء على تقليد الميّت - وجوباً أو جوازاً - الالتزام حال حياته بالعمل بفتاواه، ولا يعتبر فيه تعلّمها أو العمل بها قبل وفاته.
مسألة 8: إذا اختلف المجتهدون في الفتوى وجب الرجوع إلى الأعلم (أي الأقدر على استنباط الأحكام بأن يكون أكثر إحاطة بالمدارك وبتطبيقاتها بحيث يكون احتمال إصابة الواقع في فتاواه أقوى من احتمالها في فتاوى غيره).
ولو تساووا في العلم أو لم يحرز وجود الأعلم بينهم فإن كان أحدهم أورع من غيره في الفتوى - أي أكثر تثبّتاً واحتياطاً في الجهات الدخيلة في الإفتاء - تعيّن الرجوع إليه، وإلّا كان المكلّف مخيّراً في تطبيق عمله على فتوى أيّ منهم ولا يلزمه الاحتياط بين أقوالهم إلّا في المسائل التي يحصل له فيها علم إجماليّ منجّز أو حجّة إجماليّة كذلك - كما إذا أفتى بعضهم بوجوب القصر وبعض بوجوب التمام فإنّه يعلم بوجوب أحدهما عليه، أو أفتى بعضهم بصحّة المعاوضة وبعض ببطلانها فإنّه يعلم بحرمة التصرّف في أحد العوضين - فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيها.
مسألة 9: إذا علم أنّ أحد المجتهدين أعلم من الآخر - مع كون كلّ واحد منهما أعلم من غيرهما، أو انحصار المجتهد الجامع للشرائط فيهما - فإن لم يعلم الاختلاف بينهما في الفتوى تخيّر بينهما، وإن علم الاختلاف وجب الفحص عن الأعلم، فإن عجز عن معرفته كان ذلك من اشتباه الحجّة باللّاحجّة في كلّ مسألة يختلفان فيها في الرأي، ولا إشكال في وجوب الاحتياط فيها مع اقترانه بالعلم الإجماليّ المنجّز، كما لا محلّ للاحتياط في ما كان من قبيل دوران الأمر بين المحذورين ونحوه حيث يحكم فيه بالتخيير مع تساوي احتمال الأعلميّة في حقّ كليهما، وإلّا فيتعيّن العمل على وفق فتوى من يكون احتمال أعلميّته أقوى من الآخر .
وأمّا في غير الموردين فالصحيح هو التفصيل: أي وجوب الاحتياط بين قوليهما فيما كان من قبيل اشتباه الحجّة باللّاحجّة في الأحكام الإلزاميّة، سواء أكان في مسألة واحدة كما إذا أفتى أحدهما بوجوب الظهر والآخر بوجوب الجمعة مع احتمال الوجوب التخييريّ، أم في مسألتين كما إذا أفتى أحدهما بالحكم الترخيصيّ في مسألة والآخر بالحكم الإلزاميّ فيها وانعكس الأمر في مسألة أُخرى.
وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا يجب الاحتياط، كما إذا لم يعلم الاختلاف بينهما على هذا النحو إلّا في مسألة واحدة، أو علم به في أزيد منها مع كون المفتي بالحكم الإلزاميّ في الجميع واحداً.
مسألة 10: إذا قلّد من ليس أهلاً للفتوى وجب العدول عنه إلى من هو أهل لها، وكذا إذا قلّد غير الأعلم وجب العدول إلى الأعلم مع العلم بالمخالفة بينهما، وكذا لو قلّد الأعلم ثُمَّ صار غيره أعلم.
مسألة 11: إذا قلّد مجتهداً ثُمَّ شكّ في أنّه كان جامعاً للشروط أم لا، وجب عليه الفحص، فإن تبيّن له أنّه كان جامعاً للشروط بقي على تقليده، وإن تبيّن أنّه كان فاقداً لها أو لم يتبيّن له شيء عدل إلى غيره.
وأمّا أعماله السابقة: فإن عرف كيفيّتها رجع في الاجتزاء بها إلى المجتهد الجامع للشروط، فمع مطابقة العمل لفتواه يجتزئ به، بل يحكم بالاجتزاء في بعض موارد المخالفة أيضاً، كما إذا كان تقليده للأوّل عن جهل قصوريّ وأخلّ بما لا يضرّ الإخلال به لعذر، كالإخلال بغير الأركان من الصلاة، أو كان تقليده له عن جهل تقصيريّ وأخلّ بما لا يضرّ الإخلال به إلّا عن عمدٍ كالجهر والإخفات في الصلاة.
وأمّا إن لم يعرف كيفيّة أعماله السابقة فيمكنه البناء على صحّتها إلّا في بعض الموارد، كما إذا كان بانياً على مانعيّة جزء أو شرط واحتمل الإتيان به غفلة، بل حتّى في هذا المورد إذا لم يترتّب على المخالفة أثر غير وجوب القضاء فإنّه لا يحكم بوجوبه.
مسألة 12: إذا بقي على تقليد الميّت - غفلة أو مسامحة - من دون أن يقلّد الحيّ في ذلك كان كمن عمل من غير تقليد، وعليه الرجوع إلى الحيّ في ذلك، والتفصيل المتقدّم في المسألة السابقة جارٍ هنا أيضاً.
مسألة 13: إذا قلّد من لم يكن جامعاً للشروط، والتفت إليه بعد مدّة، فإن كان معتمداً في ذلك على طريق معتبر شرعاً وقد تبيّن خطؤه لاحقاً كان كالجاهل القاصر وإلّا فكالمقصّر، ويختلفان في المعذوريّة وعدمها، كما قد يختلفان في الحكم بالإجزاء وعدمه، حسبما مرَّ بيانه في المسألة الحادية عشرة.
مسألة 14: لا يجوز العدول إلى الميّت - ثانياً - بعد العدول عنه إلى الحيّ والعمل مستنداً إلى فتواه، إلّا إذا ظهر أنّ العدول عنه لم يكن في محلّه، كما لا يجوز العدول من الحيّ إلى الحيّ إلّا إذا صار الثاني أعلم أو لم يعلم الاختلاف بينهما في المسائل التي فى معرض ابتلائه، وأمّا مع التساوي والعلم بالاختلاف ففىه تفصىل ىظهر ممّا تقدّم في المسألة (8).
مسألة 15: إذا توقّف المجتهد عن الفتوى في مسألة أو عدل من الفتوى إلى التوقّف تخـيَّر المقلِّد بين الرجوع إلى غيـره - وفـق ما سبق - والاحتياط إن أمكـن.
مسألة 16: إذا قلّد مجتهداً يجوّز البقاء على تقليد الميّت مطلقاً أو في الجملة فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع فيها إلى الأعلم من الأحياء.
وإذا قلّد مجتهداً فمات فقلّد الحيّ القائل بجواز العدول إلى الحيّ، أو بوجوبه مطلقاً، أو في خصوص ما لم يتعلّمه من فتاوى الأوّل فعدل إليه ثُمَّ مات، يجب الرجوع في هذه المسألة إلى أعلم الأحياء، والمختار فيها وجوب تقليد أعلم الثلاثة مع العلم بالاختلاف بينهم في الفتوى - كما هو محلّ الكلام - فلو كان المجتهد الأوّل هو الأعلم - في نظره - من الآخرين، لزمه الرجوع إلى تقليده في جميع فتاواه.
مسألة 17: إذا قلّد المجتهد وعمل على رأيه، ثُمَّ مات ذلك المجتهد فعدل إلى المجتهد الحيّ، فلا إشكال في أنّه لا تجب عليه إعادة الأعمال الماضية التي كانت على خلاف رأي الحيّ فيما إذا لم يكن الخلل فيها موجباً لبطلانها مع الجهل القصوريّ، كمن ترك السورة في صلاته اعتماداً على رأي مقلَّده ثُمَّ قلّد من يقــول بوجـوبها، فإنّه لا تجب علـيه إعادة ما صلّاها بغـير سـورة، بـل المختار أنّه لا تجب إعادة الأعمال الماضية ويجتزئ بها مطلـقاً حتّى في غيـر هذه الصـورة.
مسألة 18: يجـب تعـلّم أجـزاء العـبادات الـواجـبة وشـروطـها، ويكـفي أن يعـلم إجـمالاً أنّ عبـاداته جامعـة لما يعتـبر فيـها من الأجزاء والشروط، ولا يلزم العـلم تـفصـيلاً بـذلك، وإذا عـرضـت لـه في أثنــاء العبـادة مســألة لا يـعرف حكـمها جاز لــه العمـل عـلى بعـض الاحتـمالات، ثُمَّ يـسـأل عنها بعـد الـفـراغ، فإن تبـيّنت لـه الصـحّة اجـتـزأ بالـعـمل، وإن تـبـيّن البـطلان أعـاده.
مسألة 19: يجب تعلّم المسائل التي يبتلى بها عادة - كجملة من مسائل الشكّ والسهو في الصلاة - لئلّا يقع في مخالفة تكليف إلزاميّ متوجّه إليه عند ابتلائه بها.
مسألة 20: تقدّم أنّه يشترط في مرجع التقليد أن يكون مجتهداً عادلاً، وتثبت العدالة بأُمور :
الأوّل: العلم الوجدانيّ أو الاطمئنان الحاصل من المناشئ العقلائيّة كالاختبار ونحوه.
الثاني: شهادة عادلين بها.
الثالث: حسن الظاهر، والمراد به حسن المعاشرة والسلوك الدينيّ، وهو يثبت أيضاً بأحد الأمرين الأوّلين.
ويثبت الاجتهاد - والأعلميّة أيضاً - بالعلم، وبالاطمئنان - بالشرط المتقدّم - وبشهادة عادلين من أهل الخبرة، بل يثبت بشهادة من يثق به من أهل الخبرة وإن كان واحداً، ولكن يعتبر في شهادة أهل الخبرة أن لا يعارضها شهادة مثلها بالخلاف، ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منهما أكثر خبرة بحدّ يكون احتمال إصابة الواقع في شهادته أقوى من احتمالها في شهادة غيره.
مسألة 21: يحرم الإفتاء على غير المجتهد مطلقاً، وأمّا من يفقد غير الاجتهاد من سائر الشروط فيحرم عليه الفتوى بقصد عمل غيره بها.
ويحرم القضاء على من ليس أهلاً له، ولا يجوز الترافع إليه ولا الشهادة عنده إذا لم ينحصر استنقاذ الحقّ المعلوم بذلك، وكذا المال المأخوذ بحكمه حرام إذا لم يكن شخصيّاً أو مشخّصاً بطريق شرعيّ، وإلّا فهو حلال، حتّى فيما إذا لم ينحصر استنقاذه بالترافع إليه وإن أثم في طريق الحصول عليه في هذا الفرض.
مسألة 22: المتجزّئ في الاجتهاد يجوز له العمل بفتوى نفسه، بل يجوز لغيره العمل بفتواه إلّا مع العلم بمخالفة فتواه لفتوى الأعلم، أو فتوى من يساويه في العلم - على تفصيل علم ممّا سبق - وينفذ قضاؤه ولو مع وجود الأعلم إذا عرف مقداراً معتدّاً به من الأحكام التي يتوقّف عليها القضاء.
مسألة 23: إذا شكّ في موت المجتهد أو في تبدّل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، جاز البقاء على تقليده إلى أن يتبيّن الحال.
مسألة 24: الوكيل في عمل يعمل بمقتضى تقليد موكّله لا تقليد نفسه فىما لا يكون مأخوذاً بالواقع بلحاظ نفس العمل أو آثاره، وإلّا فاللازم مراعاة كلا التقليدين، وكذلك الحكم في الوصيّ.
مسألة 25: المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرّف في الأوقاف أو في أموال القاصرين ينعزل بموت المجتهد، وأمّا المنصوب من قبله وليّاً وقيّماً ففي انعزاله بموته إشكال فلا يترك مراعاة الاحتياط في ذلك.
مسألة 26: حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه حتّى لمجتهد آخر، إلّا إذا كان مخالفاً لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة، نعم لا يكون حكمه مغىّراً للواقع، مثلاً : من علـم أنّ المـال الـذي حكــم بـه للمدّعــي ليــس ملـكاً له لا يجـوز ترتيب آثار ملكيّته.
مسألة 27: إذا نقل ناقل ما يخالف فتوى المجتهد وجب عليه - على الأحوط - إعلام من سمع منه ذلك، إذا كان لنقله دخل في عدم جري السامع على وفق وظيفته الشرعيّة، وإلّا لم يجب إعلامه، وكذا الحال فيما إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه.
وأمّا إذا تبدّل رأي المجتهد فلا يجب عليه إعلام مقلّديه، فيما إذا كانت فتواه السابقة مطابقة لموازين الاجتهاد، وكذلك لا يجب على الناقل إعلام تبدّل الرأي.
مسألة 28: إذا تعارض الناقلان في فتوى المجتهد فإنْ حصل الاطمئنان الناشئ من تجميع القرائن العقلائيّة بكون ما نقله أحدهما هو فتواه فعلاً فلا إشكال، وإلّا فإن لم يمكن الاستعلام من المجتهد عمل بالاحتياط، أو رجع إلى غيره - وفق ما سبق -، أو أخّر الواقعة إلى حين التمكّن من الاستعلام.
مسألة 29: العدالة - التي مرّ أنّها تعتبر في مرجع التقليد - هي: الاستقامة في جادّة الشريعة المقدّسة الناشئة غالباً عن خوف راسخ في النفس، وينافيها ترك واجب أو فعل حرام من دون مؤمِّن، ولا فرق في المعاصي من هذه الجهة بين الصغيرة والكبيرة، وترتفع العدالة بمجرّد وقوع المعصية وتعود بالتوبة والندم.
مسألة 30: إنّ من أعظم المعاصي: الشرك بالله تعالى، واليأس من روح الله تعالى أي رحمته وفرجه، والأمن من مكر الله تعالى أي عذابه للعاصي وأخذه إيّاه من حيث لا يحتسب، وإنكار ما أنزله الله تعالى، والمحاربة لأولياء الله تعالى، واستحقار الذنب فإنّ أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه، وعقوق الوالدين وهو الإساءة إليهما بأيّ وجه يعدّ تنكّراً لجميلهما على الولد، وقتل المسلم بل كلّ محقون الدم وكذلك التعدّي عليه بجرح أو ضرب أو غير ذلك، وقذف المحصن والمحصنة وهو رميهما بارتكاب الفاحشة كالزناء من دون بيّنة عليه، وأكل مال اليتيم ظلماً، والبخس في الميزان والمكيال ونحوهما بأن لا يوفّى تمام الحقّ إذا كال أو وزن ونحو ذلك، والسرقة وكذلك كلّ تصرّف في مال المسلم ومَنْ بحكمه مِنْ دون رضاه، والفرار من الزحف، وأكل الربا بنوعيه المعامليّ والقرضيّ، والزناء واللواط والسحق والاستمناء وجميع الاستمتاعات الجنسيّة مع غير الزوج والزوجة، والقيادة وهي السعي بين اثنين لجمعهما على الوطء المحرّم، والدياثة وهي أن يرى زوجته تفجر ويسكت عنها ولا يمنعها منه، والقول بغير علم أو حجّة، والكذب حتّى ما لا يتضرّر به الغير ومن أشدّه حرمةً الكذب على الله تعالى أو على رسوله (صلّى الله علىه وآله) والأوصياء (علىهم السلام) وشهادة الزور والفتوى بغير ما أنزل الله، واليمين الغَموس وهي الحلف بالله تعالى كذباً في مقام فصل الدعوى، وكتمان الشهادة ممّن أشهد على أمر ثُمَّ طلب منه أداؤها بل وإن شهده من غير إشهاد إذا ميّز المظلوم من الظالم فإنّه يحرم عليه حجب شهادته في نصرة المظلوم.
ومن أعظم المعاصي أيضاً: ترك الصلاة متعمّداً وكذلك ترك صوم شهر رمضان وعدم أداء حجّة الإسلام ومنع الزكاة المفروضة، وقطيعة الرحم وهي ترك الإحسان إليه بأيّ وجه في مقام يتعارف فيه ذلك، والتعرّب بعد الهجرة والمقصود به الانتقال إلى بلد ينتقص فيه الدين أي يضعف فيه إيمان المسلم بالعقائد الحقّة أو لا يستطيع أن يؤدّي فيه ما وجب عليه في الشريعة المقدّسة أو يجتنب ما حرم عليه فيها، وشرب الخمر وسائر أنواع المسكرات وما يلحق بها كالفقّاع (البِيرَة)، وأكل لحم الخنزير وسائر الحيوانات محرّمة اللحم وما أزهق روحه على وجه غير شرعيّ، وأكل السحت ومنه ثمن الخمر ونحوها وأجر الزانية والمغنّية والكاهن وأضرابهم، والإسراف والتبذير والأوّل هو صرف المال زيادة على ما ينبغي والثاني هو صرفه فيما لا ينبغي، وحبس الحقوق الماليّة من غير عسر، ومعونة الظالمين والركون إليهم وكذلك قبول المناصــب مــن قبلهـم إلّا فيما إذا كــان أصل العمــل مشروعاً وكان التصــدّي له في مصلحــة المسلمين.
وغيبة المؤمن وهي أن يذكر بعيب في غيبته ممّا يكون مستوراً عن الناس، سواء أكان بقصد الانتقاص منه أم لا، وسواء أكان العيب في بدنه أم في نسبه أم في خلقه أم في فعله أم في قوله أم في دينه أم في دنياه أم في غير ذلك ممّا يكون عيباً مستوراً عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب، وتختصّ الغيبة بصورة وجود سامع يقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم ذلك، كما لا بُدَّ فيها من تعيين المغتاب فلو قال: (واحد من أهل البلد جَبان) لا يكون غيبة، وكذا لو قال: (أحد أولاد زيد جَبان)، نعم قد يحرم ذلك من جهة لزوم الإهانة والانتقاص لا من جهة الغيبة.
ويجب عند وقوع الغيبة التوبة والندم، والأحوط استحباباً الاستحلال من الشخص المغتاب - إذا لم تترتّب على ذلك مفسدة - أو الاستغفار له، بل لو عُدَّ الاستحلال تداركاً لما صدر منه من هتك حرمة المغتاب فالأحوط لزوماً القىام به مع عدم المفسدة.
وتجوز الغيبة في موارد:
منها: المتجاهر بالفسق فيجوز اغتيابه في غير العيب المستتر به.
ومنها: الظالم لغيره فيجوز للمظلوم غيبته والأحوط وجوباً الاقتصار على ما لو كانت الغيبة بقصد الانتصار لا مطلقاً.
ومنها: نصح المؤمن فتجوز الغيبة بقصد النصح كما لو استشاره شخص في تزويج امرأة فيجوز نصحه وإن استلزم إظهار عيبها، بل يجوز ذلك ابتداءً بدون استشارة إذا علم بترتّب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة.
ومنها: ما لو قصد بالغيبة ردع المغتاب عن المنكر فيما إذا لم يمكن الردع بغيرها.
ومنها: ما لو خيف على الدين من الشخص المغتاب فتجوز غيبته لئلّا يترتّب الضرر الدينيّ.
ومنها: جرح الشهود.
ومنها: ما لو خيف على المغتاب أن يقع في الضرر اللازم حفظه عن الوقوع فيه فتجوز غيبته لدفع ذلك عنه.
ومنها: القدح في المقالات الباطلة وإن أدّى ذلك إلى نقص في قائلها.
ويجب النهي عن الغيبة بمناط وجوب النهي عن المنكر مع توفّر شروطه، والأحوط الأولى لسامعها أن ينصر المغتاب ويردّ عنه ما لم يستلزم محذوراً.
ومن أعظم المعاصي الأُخرى: سبّ المؤمن ولعنه وإهانته وإذلاله وهجاؤه وإخافته وإذاعة سرّه وتتبّع عثراته والاستخفاف به ولا سيّما إذا كان فقيراً، والبهتان على المؤمن وهو ذكره بما يعيبه وليس هو فيه، والنميمة بين المؤمنين بما يوجب الفرقة بينهم، والغشّ للمسلم في بيع أو شراء أو نحو ذلك من المعاملات، والفحش من القول وهو الكلام البذيء الذي يستقبح ذكره، والغدر والخيانة ونقض العهد حتّى مع غير المسلمين، والكبر والاختيال وهو أن يظهر الإنسان نفسه أكبر وأرفع من الآخرين من دون مزيّة تستوجبه، والرياء والسمعة في الطاعات والعبادات، والحسد مع إظهار أثره بقول أو فعل وأمّا من دون ذلك فلا يحرم وإن كان من الصفات الذميمة، ولا بأس بالغبطة وهي أن يتمنّى الإنسان أن يرزق بمثل ما رزق به الآخر من دون أن يتمنّى زواله عنه.
ومن أعظم المعاصي أيضاً: الرشوة على القضاء إعطاءً وأخذاً وإن كان القضاء بالحقّ، والقمار سواء أكان بالآلات المعدّة له كالشطرنج والنرد والدوملة أم بغير ذلك ويحرم أخذ الرهن أيضاً، والسحر فعله وتعليمه وتعلّمه والتكسّب به، والغناء، واستعمال الملاهي كالضرب على الدفوف والطبول والنفخ في المزامير والضرب على الأوتار على نحو تنبعث منه الموسيقى المناسبة لمجالس اللهو واللعب.
وهناك محرّمات غير ما تقدّم ذُكر البعض منها في مواضع أُخرى من هذه الرسالة، كما ذكر فيها بعض ما يتعلّق بعدد من المحرّمات المتقدّمة من موارد الاستثناء وغير ذلك، عصمنا الله تعالى من الزلل ووفّقنا للعلم والعمل إنّه حسبنا ونعم الوكيل.
مسألة 31: الاحتياط المذكور في مسائل هذه الرسالة على قسمين: واجب ومستحبّ، ونعبِّر عن الاحتياط الواجب بـ (يجب على الأحوط أو الأحوط وجوباً أو لزوماً، أو وجوبه مبنيّ على الاحتياط أو لا يترك مقتضى الاحتياط فيه) ونحو ذلك.
ونعبِّر عن الاحتياط المستحبّ بـ (الأحوط استحباباً) أو (الأحوط الأولى).
واللّازم في موارد الاحتياط الواجب هو العمل بالاحتياط أو الرجوع إلى مجتهد آخر مع رعاية الأعلم فالأعلم على التفصيل المتقدّم.
وأمّا في موارد الاحتياط المستحبّ فيجوز ترك الاحتياط والعمل وفق الفتوى المخالفة له.
مسألة 32: إنّ كثيراً من المستحبّات المذكورة في أبواب هذه الرسالة يبتني استحبابها على قاعدة التسامح في أدلّة السنن، ولمّا لم تثبت عندنا فيتعيّن الإتيان بها برجاء المطلوبيّة، وكذا الحال في المكروهات فتترك برجاء المطلوبيّة، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أُنيب.