تذكر الأحاديث الشريفة مجموعة من الحوادث والاُمور كعلائم لظهوره (عليه السلام) يهتدي بها المؤمنون لترسيخ وتسريع استعدادهم لنصرته والمساهمة في إنجاز مهمته الإصلاحية الكبرى.
العلائم الحتمية وغير الحتمية:
وتذكر الأحاديث الشريفة قسمين رئيسين من علائم ظهور الإمام ـ عجل الله فرجه.
القسم الأوّل ما هو حتمي الوقوع، والقسم الثاني ما هو غير حتمي بل قد لا يقع إذا اقتضت الحكمة الإلهية ذلك، كما أن بعض هذه العلائم قريبة من زمن الظهور وبعضها سابق له بفترة طويلة.
اللغة الرمزية في أحاديث العلامات:
كما تنبغي الإشارة هنا الى أن الأحاديث الشريفة تحدثت عن كثير من علائم الظهور بلغة الرمز والإشارة، لذا من الضروري لمعرفتها على نحو الدقة دراسة هذه اللغة ومعرفتها، كما ينبغي استجماع كل ماورد بشأن كل علامة من تفصيلات في الأحاديث الشريفة، ودراستها بعيداً عن التأثّر بالقناعات السابقة، وبتأنّي وبدقة للتوصّل الى مصداقها الحقيقي، وعدم الوقوع في التطبيقات العجولة التي تُبعد عن الهدف المراد من ذكر هذه العلائم، خاصة وأن اللغة الرمزية بطبيعتها تجعل من الممكن تطبيق كل علامة على أكثر من مصداق، وهذا خلاف الهدف المراد من ذكرها أيضاً.
كما أنّ من الضروري الإشارة الى أن بعض الأحاديث الشريفة التي ذكرت علامات الظهور، حدّدت تكاليف محددة للمؤمنين ـ على نحو التصريح أو الإشارة تجاهها ـ فينبغي عند دراستها السعي للتعرف على هذه التكاليف للحصول على الثمار المرجوّة من ذكرها.
وحيث أنّ علائم الظهور ترتبط بقضايا غيبية، لذلك فإنّها تعرضت للكثير من التحريف وداخَلها الوضْع، لذا ينبغي التدقيق في هذا الجانب لتمييز الصحيح منها من الموضوع.
زوال علل الغيبة:
اضافة الى علامات الظهور التي نصّت عليها الأحاديث الشريفة، فإنّ المستفاد من الأحاديث الشريفة أن من العلائم المهمة لظهور الإمام المهدي (عجل الله فرجه) زوال العلل والعوامل التي أدت الى غيبته، وتوفر الأوضاع المناسبة لقيامه (سلام الله عليه) بمهمته الإصلاحية الكبرى والتي منها:
1 ـ اكتمال عملية التمحيص والغربلة للمؤمنين، وتوفّر العدد اللازم من الأنصار الأوفياء بمختلف مراتبهم، اي المرتبة العليا من الأنصار الذين يتحلّون بالكفاءات القيادية اللازمة لمعاونته في اقامة الحكومة الإسلامية العالمية العادلة وإدارة شؤونها، وقبل ذلك إدارة حركة الصراع ضد الكفر والشرك والعبوديات الطاغوتية ودحرها وإزالتها بالكامل.
ولعل أفراد هذه المرتبة هم الذين ذكرت الأحاديث الشريفة بأنّ عددهم (313) كعدة أهل بدر، وذكرت لهم صفات عالية من الإيمان ومعرفة الله حق معرفته، ومن شدة التعبد لله والإخلاص له فهم (رهبان الليل)، ومن الشجاعة والكفاءة الجهادية العالية فهم (اُسد النهار) الذين لا يخافون في الله لومة لائم، ومن الكفاءة العلمية العالية والإحاطة بعلوم الشريعة فهم (الفقهاء والقضاة)، ومن الكفاءة الإدارية الفائقة فهم (الولاة العدول)[1]، وغير ذلك من الصفات السامية الأخرى التي يُستفاد منها أنهم يمثّلون جهاز الإمام(عليه السلام) القيادي والإداري عند ظهوره قبل إقامة دولته العالمية العادلة وبعدها.
2 ـ منها توفر القواعد الإسلامية العريضة المستعدة للتفاعل الإيجابي مع أهداف الثورة المهدوية الكبرى وإن تباينت درجاتها في تقديم النصرة العملية، والذي يوجِد هذه الحالة هو اتضاح حقيقة وأحقية منهج أهل البيت النبوي الذي يمثّله المهدي الموعود ـ عجل الله فرجه ـ، واتضاح زيف الشبهات المثارة على مدى التأريخ الإسلامي ضد هذا المنهج، واتضاح أنه هو المنهج الذي يمثّل الإسلام المحمدي الأصيل.
وقد أشارت الأحاديث الشريفة الى ذلك ضمن حديثها عن الحركة الموطئة للثورة المهدوية ودورها في عرض الصورة النقية لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) وعلومه الإسلامية النقية على الصعيد الإسلامي والعالمي، وبالتالي عرض الصورة الأصيلة للإسلام[2].
ودور هذه الحركة التمهيدية التي نصّت الأحاديث الشريفة على انطلاقها قبيل الظهور المهدوي في عرض الصورة النقية للإسلام يوجِد حالة التطلع للإسلام كبديل حضاري لإنقاذ البشرية، والإقبال عليه خارج دائرة العالم الإسلامي ـ كما هو المشهود حالياً في بوادره على الأقل ـ الأمر الذي يفتح أبواب التفاعل الإيجابي مع الثورة المهدوية الكبرى بين الشعوب غير الإسلامية أيضاً، خاصةً وأنها جرَّبت المدارس والتيارات الفكرية والسياسية الاُخرى وعايشت عملياً فشلها في تحقيق السعادة المنشودة للبشرية، بل وجلبها للبشريّة الكثير من الأزمات المادية والمعنوية التي تعتصرها حالياً، الأمر الذي جعلها تتطلع الى بديل منقذ خارج المدارس والتيارات التي عرفتها، والى هذه الحالة أشارت الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أنّ الدولة المهدوية هي آخر الدول.
3 ـ منها أيضاً توفر وسائل الاتصال المتطورة التي تتيح للجميع التعرف على الحقائق، وبالتالي السماح بوصول الحق الى الجميع واتضاح بطلان وزيف المدارس الاُخرى، وأحقّية الرسالة الإسلامية التي يحملها المهدي (عليه السلام) وبالتالي تبنّي أشخاص للتيار الإسلامي وأهدافه التي يبشّر بها المهدي الموعود (عليه السلام) بعد أن كانوا ينتمون تاريخيا الى المدارس الاُخرى، أي الانتقال عملياً الى صفوف أنصاره (عليه السلام)، كما تشير الى ذلك الأحاديث الشريفة المعلِّلة للغيبة بإخراج (ودائع الله) أي المؤمنين من أصلاب الكافرين.
المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (67) ـ الصفحة: 20 - 21.