توعد الله تعالى بالخلود في النار من يرتكب بعض الذنوب منها كالكفر، قال تعالى في سورة البقرة: ((إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162))
والنفاق، كما قال تعالى في سورة التوبة : ((وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68))
الشقاء كما في سورة هود : (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) )
التكبر قال تعالى : (( فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) النحل (29)، وغيرها من الآيات الكريمة .
والسؤال هو: أن الخلود في النار عذاب طويل غير متناه خصوصاً إذا أُكد بالتأبيد، أليس هو عقاب أكبر من حجم المعصية الصادرة حتى لو كانت المعصية هي الكفر !!! فلو فرضنا أن عبداً مات كافراً بعد شهر من بلوغه وتكليفه فهل عقاب كفر شهر واحد أن يخلد في النار مدى الزمن الآخروي ؟؟؟
هذا أولاً، وثانياً : مقتضى هذا أن يكون عقاب كفر شهر واحد يساوي عقاب كفر خمسين سنة فكلاهما خالدان في النار !!!
فكيف يتحقق العدل في هاتين المسألتين ؟
ويمكن أن يجاب عن هذا السؤال بأمور:
أولا: أن الكثير من تفاصيل الآخرة لم تبيّن لنا فهي مجهولة وغير واضحة لنا، والنظام المتبع في تلك النشأة غير معلوم، والمولى تبارك وتعالى على أي سنة من سننه يجري الأمور هناك في الآخرة ؟ هل على وفق نظام التحسين والتقبيح العقليين على قول أم هناك نظام خاص لم تهتد إليه عقولنا ؟ فمسألة الموازنة بين الجرم والعقوبة كيف تقاس ؟ هل تقاس وفق مقاساتنا الدنيوية، أم هنالك مقاسات خاصة لم نعرفها لذا ترى في بعض الأحيان عدم التكافؤ بين العقوبة والجريرة باعتبار مقاساتنا الدنيوية وهل من اللازم ان يجري المولى تبارك وتعالى على وفق هذه المقاسات ؟؟
وثانياً: يمكن الجواب بعدم قابلية المحل كمثال تقريبي نقول :ما هو عقاب من قتل شخصا واحدا ، وما هو عقاب من قتل مائة شخص ؟ مع أن عقابه القتل والسبب في ذلك أن المحل لا يقبل أكثر من ذلك الجزاء ، فالكافر عقابه التخليد في النار، ولو كان هناك عقاب أكثر لفُرّق بين من كفر شهراً أو خمسين سنة، هذا على التسليم بأن عقابهما واحد.
ثالثاً: قد يُجاب بأن كل منهما مخلّد في النار، لكن من قال بأن كيفية العقاب واحدة ، فمجرد التخليد في النار لا يعني أنهما بمستوى واحد شدةً وضعفاً من العقاب، فهما من جهة الزمان مخلدان لكن مقدار ونوع ما يعذبان به لم يدع أنه بمستوى متكافئ.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (8)، الصفحة (10).