مصحف فاطمة (عليها السلام) ببيان مختصر هو كتاب فيه بعض الأسرار والأخبار الغيبية، ويعتبر أوّل كتاب أُلّف في الإسلام، فلم يكتب قبل هذا الكتاب كتاب غيره، حوى ما سمعته من أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو من جبرئيل (عليه السلام)، وفيه أيضاً ذكر لحوادثَ تجري عليها وعلى ذريتها، وهو بهذا الوصف ليس قرآناً ولا مثيلاً للقرآن ولا بديلاً عنه، ولا تعتقد الشيعة بغير هذا الاعتقاد الذي يتوافق مع ما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في هذا الخصوص.
عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) خمسة وسبعين يوماً، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل (عليه السلام) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، ويطيب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة»[1].
ولعلّ ما وقع به بعض المخالفين من الوهم وترويج شبهة وجود قرآن ثانٍ عند الشيعة يُسمّى (مصحف فاطمة (عليها السلام))، نشأ من الخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي لكلمة مصحف من جهة، وعدم إمكانية الوحي والإيحاء لغير لأنبياء من جهة أُخرى، ونتيجة الأمرين عدم القناعة بمعتقد أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بخصوص هذا الموضوع.
أمّا الجهة الأولى: فإنّ المصحَف اسم مفعول من صحف، هو ما جمُعت فيه الصُحف، وهو لا يختص بالقرآن الكريم، بل كتاب الله تعالى مصداق للمصحف وفرد من أفراده.
إذاً مصحف فاطمة (عليها السلام) هو مجموعة صحف وهو ليس قرآناً ثانياً.
وأمّا الجهة الثانية: فقد ورد في القرآن الكريم ذكر الوحي والإيحاء لشخصيات غير الأنبياء (عليهم السلام)، منه قوله تعالى: (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إلى الْحَوَارِيِّينَ، أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي)[2].
ومنه قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ مُوسَى، أَنْ أَرْضِعِيهِ)[3].
وهذا معناه إمكان الوحي إلى غير الأنبياء من ذوي الكرامات، ومَن أكرم من سيدة نساء العالمين (عليها السلام) إذا شاء الله أن يجعلها الله تعالى موطناً للوحي، كما أنّ الروايات تُثبت وتؤيد حصول ذلك الإمكان، تكلمها الملائكة.
وأمّا الاعتراض على تحديث جبرائيل سيدتنا الزهراء (عليها السلام) فهو من الممكنات التي وردت عند جميع الفرق الإسلامية، وذكرت بعض المصادر أنّ بعض الشخصيات غير الأنبياء كانوا مُحدَّثين من قِبل الملائكة، فممّن أُدّعي أنّ الملائكة تحدّثهم، عمران بن الحصين الخزاعي ـ المتوفّى سنة 52 هـ ـ قالوا: «كانت الملائكة تسلّم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عامّاً، ثمّ أكرمه الله بردّ ذلك»[4]
ومنهم أبو المعالي الصالح ـ المتوفّى سنة 427 هـ ـ رووا أنّه كلّمته الملائكة في صورة طائر[5].
ومن طرقنا عن حمران بن أعين قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): «إنّ علياً كان مُحدَّثاً»... فقلت لـه: إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني قالوا: ما صنعت شيئاً إلّا سألته مَن يُحدِّثه؟ فقال لي: «يُحدِّثه ملك»، ... ثمّ قال: «أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما أبلغتكم أنّه قال وفيكم مثله»[6].
وأمّا الروايات التي ورد فيها نزول الملائكة على الزهراء (عليها السلام)، فمنها: (عن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّما سمّيت فاطمة محدّثة، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، ... فتحدّثهم ويحدّثونها. فقالت لهم ذات ليلة: أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، وإنّ الله عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين»[7].
إذاً بعد هذه الأخبار لا مجال للاعتراض على إمكانية تحديث الملائكة لمولاتنا الزهراء (عليها السلام)، بل وحصول ذلك بالفعل، كما لا مجال لاتهام الشيعة أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أنّ عندهم قرآناً آخر يُسمّى (مصحف فاطمة (عليها السلام)) بعد أثبتت الروايات أنّه ليس قرآناً.
مجلة ولاء الشباب العدد (69)