بعد أَن فرغ الجيش الأُموي من مقتل الحسين (عليه السلام) وأَصحابه عزم على الرحيل بعد ظهر اليوم الحادي عشر من المحرم، وقد حملوا معهم نساء الحسين وأَهل بيته(عليهم السلام) وصبيتهم، على نياق عجف بدون وطاء ولا غطاء، وعمدوا على المرور بهم على جثث القتلى شوقاً منهم إِلى إِثارة مشاعر وعواطف أطفال ونساء الحسين(عليه السلام)، وكان منظراً مذهلاً للنساء والأَطفال، فالأَجساد بلا رؤوس، والأَشلاء موزعة، والدماء تصبغ البسيطة.
وتأملت العقيلة زَيْنَب(عليها السلام) ذلك الموقف الرهيب، حيث ترى أَرض الشهادة ترتسم على ربوعها أَفظع مأساة، وتنظر إِلى النساء والأَطفال وقد علتهنّ الكآبة والدهشة، ومن جانب آخر ترى الجيش الأُموي يبالغ في إِظهار نشوة انتصاره الزائف، ويستعرض قوته وقدرته الغاشمة.
فمزقت العقيلة زَيْنَب(عليها السلام) أَجواء الرهبة والأَلم، واندفعت تشهر سلاح المظلومية لتصُوّبه تجاه المتغطرسين المغرورين، ولتُثبت لهم أَنهم ضعفاء مهزومون وإِن توهموا النصر، فأَطلقت صوتها الشجاع المدوي قائلة: (يا محمداه، هذا حسين بالعراء، مرمّل بالدماء، مقطّع الأَعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة) يقول الرواة: (فأَبكت كلَّ عدوٍ وصديق حتى جرت دموع الخيل على حوافرها)[1].
وفي صبيحة اليوم الثاني عشر من المحرم دخل ركب السبايا تتقدمهم الرماح التي تحمل رأس الحسين وأَهل بيته(عليهم السلام)، ورؤوس أَصحابه، وكان ذلك هدفاً سياسياً تطمح من خلاله الحكومة الأُموية تقوية شوكتها وتصميمها على سحق أَي محاولة تمرد أَو معارضة.
وللسيدة زَيْنَب(عليها السلام) في الكوفة تاريخ وذكريات، فقد كانت سيدة الكوفة أَيام خلافة أَبيها أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قبل عشرين سنة من دخولها الآن، فلابد من موقف بطولي يعيد لها هيبتها ووقارها كأبنة خليفة للمسلمين قد جار الزمان عليها، فخطبت خطبتها المُدوّية وعَرَّفتهم بمكانتها ولمن تنتسب وما جرى عليهم من حيف وظلم.