إنّ عقل الإنسان يبقى محدوداً ضمن محيط مدركاته وما يمتلك من المعرفة والعلم، ويبقى شغف الإنسان قائماً للتعرف على مبدئه ومصيره، كما إنه في توق إلى معرفة سبب مجيئه إلى هذه الحياة، ومن أوجده، وإلى أين مسيره، وما مصيره؟ هذه التساؤلات تقلق الإنسان وتلح على عقله ونفسه ويحتاج إلى إجابة مطمئنة صحيحة، وربما لجأ بني البشر في أحيان كثيرة إلى الأساطير والأوهام للحصول على تفسيرات لجوانب من حياتهم إلا إنها عادة ما تشوّش عليهم فكرهم وأذهانهم فتحول دون وصولهم إلى الحقيقة.
الإنسان ليس جسماً فقط بل هو روح أيضا، فتحتاج إلى منهج وبرنامج يملأ البعد المعنوي والروحي في حياته، فكيف له أن يضع هذا البرنامج؟ إلى جانب ذلك فإن الإنسان في حياته المادية والمعنوية يحتاج إلى نظام وقانون يضبط علاقته مع أبناء جنسه ومحيطه، فكيف يصل إلى هذا النظام الاجتماعيّ، والقانون الذي ينظم حياته؟
لا شك بأن التجارب الإنسانية قد توصل بني البشر إلى بعض الحقائق، ولكن اقتصار الإنسان على التجربة الحسّية فقط قد يكلفه وقتاً طويلاً، وجهداً كبيراً، ويوقعه في أخطاء ومخاطر قد لا يتعافى منها إلا بعد حين، لأجل كل ذلك فهو بحاجة إلى الهدي الإلهي.
إن الله تعالى الذي خلق الإنسان بهذا الخلق المتميز بقوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)[1]، جعل من كمال لطفه ورحمته بهذا الإنسان أن وفّر له الهدي الذي يحتاجه في هذه الحياة، فكان ذلك عن طريق الأنبياء والرسل، فالأنبياء يحملون إلى الإنسان الهدي الإلهي.
إن الله تعالى يختار من عباده من بني البشر من يبعثه برسالته حتى يدل الإنسان إلى طريق الكمال والسعادة، وقد كان لهؤلاء الأنبياء (عليهم السلام) الذين بعثهم الله تعالى الدور الكبير في هداية الإنسان، ولعل هذه المكاسب التي ترونها في حياة البشرية ليست بعيدة عن دور وهدي الأنبياء (عليهم السلام)، فقد أحيا الأنبياء (عليهم السلام) برسالتهم وهديهم في الإنسان الجانب الروحي القيّمي، وهدوا البشرية إلى الكثير من الحقائق التي يمكن أن تستوعبها منهم.